الضغوط غير المدروسة تؤدي الى انتكاسة
هناك شكوى مريرة من قبل العديد من الدول التي تحاول تطوير ملفها
الحقوقي، بما يتضمنه من تخفيف بواعث القلق الخارجية بشأن أوضاع حقوق
الإنسان. ففي الغالب، نرى الدول كافة تستجيب وتتفاعل بقدر أو بآخر
مع التحديات التي تواجهها في ملفها الحقوقي، وتسعى الى تصحيح الأوضاع
التي هي في الغالب محط النظر، وموضع النقد.
المشكلة الكبيرة دائماً تفيد بالتالي: إن جهود هذه الدول، قد لا
تنعكس بالصورة التي تتمناها على التقارير الحقوقية الدولية التي تصدر
بشأن الدولة المعنية، سواء من منظمات أو دول أو مؤسسات دولية. في النقد،
تجد في تلك التقارير تفصيلاً للإنتهاكات وتحديدا للمسؤوليات، ودعوات
للتغيير في نقاط محددة على شكل توصيات. ولكن حين تقوم الدول بكل أو
بعض هذه التوصيات وتنفذها، فإنها لا تجد الإنعكاس الإيجابي، ولا الترحيب
بالتطور الذي يحدث في التقارير الا بشكل عرضي.
هذا بالنسبة لدول تتقدم بخطوات محسوبة في الشأن الحقوقي، يعتبر
أمراً مُحبطاً، لأن تجاهل ما تقوم به الدول يعني:
التركيز على السلبيات والإنتهاكات، ما يفيد بإبقاء الدولة المعنية
تحت الضغط والتشهير الدائمين.
إنه مهما قامت الدول المعنية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها،
فإن ذلك لا يغيّر من المواقف الدولية الحقوقية شيئاً ذا بال. وقد يدفع
هذا الموقف بعض الدول الى التوقف عن جهودها، مادامت الأمور تتساوى
لديها في النتائج سواء فعلت ايجابا ام لم تفعل.
في معظم الدول الناشئة حقوقياً، غالباً ما يكون هنالك جدل وشكوك
بشأن عمل المنظمات الحقوقية الدولية، واستخدام قضايا حقوق الإنسان
في الضغوط السياسية عليها. وإن من شأن عدم التقدير الإيجابي للتطورات
الحقوقية والمنجزات التي تقوم بها الدول، يؤدي في النهاية الى تغليب
دعاة القطيعة والتشكيك الى ابقاء الحال كما هو عليه، وعدم الالتفات
الى التقارير الدولية، وبالتالي تنتصر إرادة التشدد، على إرادة الخير
والإصلاح والتطوير. وهذا بالقطع لا يخدم قضية حقوق الإنسان.
ومن هنا، فإن مقاربة المنظمات الحقوقية الدولية لقضايا حقوق الإنسان
في بعض الدول بحاجة الى مراجعة. فالفكرة القائلة بأنه حين تستجيب دولة
ما، اقتناعاً او تحت الضغط، لتحسين ملفها في قضية ما، ثم الإنتقال
الى ملف آخر يتم الضغط بشأنه، وهكذا دون الأخذ بالاعتبارات السابقة..
قد يؤدي الى انتكاسة كبيرة لقضية حقوق الإنسان.
فالضغوط المستمرة والمكثفة، لا تعني دائماً انها فاعلة وتؤدي الى
نتائج ايجابية، بل قد تؤدي في بعض الدول الى نتائج عكسية، ويجري التحلل
من كل الإلتزامات، وعدم الالتفات الى ما يقال عنها وما يمارس ضدها
من ضغوط وتشهير.
قد تكون الدول الناشئة حقوقياً في أمسّ الحاجة الى من يأخذ بيدها
خطوة خطوة؛ ويشجعها على المزيد من بذل الجهود، بدون ضغوطات فاضحة،
مع تقدير لجهود تلك الدول، وتوضيح كيف ان جهودها يمكن أن تُثمر وتفيد
الدولة وسمعتها وشعبها. لعل هذه الطريقة تكون اكثر فائدة بالنسبة لبعض
الدول على الأقل. أما الضغوط المستمرة، فقد ثبت انها فشلت في أكثر
من دولة من تحقيق أهدافها لصالح حقوق الإنسان.
|