أجهزة الأمن وحقوق الإنسان

الناشطون في كل دول العالم يركّزون على انتهاكات حكوماتهم لحقوق الإنسان، وغالباً ما تجري الإنتهاكات من أجهزة الأمن، التي ينظر اليها البعض كجهة معادية لحقوق الإنسان، كون تلك الأجهزة هي من يقوم بعمليات القبض، والتحقيق أحياناً، وربما التعذيب، وسوء المعاملة، والانتقاص من كرامة المحتجزين.

بيد أن رؤية جديدة أخذت تبرز في عالم حقوق الإنسان، تقول بأن أجهزة الأمن يمكن لها أن تتحوّل ـ بل يفترض أن تكون ـ حامية لحقوق الإنسان، من خلال تطبيق القانون، ومنع التعديات، ومكافحة العنف، ومحاسبة منتهكي القانون وحقوق الآخرين. هذا التحوّل في الرؤية يبدو جليّاً واضحاً في كثير من بلدان العالم المتطور حقوقياً، لكنه ليس كذلك في العديد من بلدان العالم الأخرى، حيث لاتزال تسود رؤية الصدام بين الناشطين الحقوقيين وأجهزة الأمن، فيرى كلُّ من الطرفين أن الآخر معادٍ له، مخالفٌ للقانون، معتدٍ على حقوق المواطنين.

هذه العلاقة السيئة تحتاج الى تغيير في وجهة نظر الطرفين تجاه بعضهما البعض. فبقدر ما يجب على أجهزة الأمن أن تتعامل ايجابيا مع بواعث قلق الناشطين الحقوقيين، وفهم دورهم، والمرجعية التي يعتمدونها في نشاطهم، والأهداف التي يسعون لتحقيقها.. فإنه من الضروري أيضاً لناشطي حقوق الإنسان، ان يتفهموا بواعث قلق رجال الأمن، وطبيعة عملهم، والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

المطلوب إذن تثقيف وتدريب لكلا الطرفين. لا بدّ ان تسعى الدول الى تثقيف وتدريب رجال الأمن حقوقياً، بحيث يلتزموا بالمعايير الدولية في مجال الأمن والشرطة؛ وأن يلتزموا ايضاً بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأن لا يخالفوا مرجعية القانون تحت ضغط ضرورات حفظ الأمن. بل ومن المطلوب ايضاً، فتح علاقة حوار وتعاون مع المنظمات غير الحكومية، من أجل متابعة الأنشطة المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها أفراد أجهزة الأمن؛ ولربما أيضاً من أجل المساهمة في إصلاح عمل تلك الأجهزة.

لكن الوصول الى هذه العلاقة الإيجابية يتطلّب بناء ثقة، والمبادرة كما هي العادة بيد الدول ومؤسساتها الأمنية، التي يجب ان تصل الى قناعة بأن العلاقة مع المنظمات الحقوقية تمثل قيمة مضافة لعمل أجهزة الأمن، وكذلك بأهمية وجود ارتباط وتعاون مشترك في قضايا محددة، ووفق أهداف وأنشطة مشتركة، على أن تثمر مثل هذه العلاقة تطورا ملموساً في أوضاع حقوق الانسان، وإلاّ ماتت العلاقة في مهدها.