تأكيد وتطبيق الثوابت الوطنية

ذكرى إقرار ميثاق العمل الوطني هذا العام تختلف عن سابقاتها، كونها تترافق مع إرهاصات تحوّل إيجابي في مسار الأزمة البحرينية، وفي خضم حوار وطني يقوده ولي العهد للخروج بالبحرين من عنق الزجاجة.

وبهذه المناسبة ألقى ملك البحرين كلمة، لفت نظر المراقبين فيها ابتداءً: حرصه على تأكيد الثوابت الوطنية التي أقرّها الميثاق، وتوافق عليها الشعب في استفتاء شعبي حاز موافقة ساحقة. هذا التأكيد يشير الى أن مخرجات الحوار الوطني القائم ستكون في إطار تلك الثوابت، وليست خارجة عليها، وذلك من أجل ثبات عمل المؤسسات الدستورية. فمثلاً سيبقى خيار المجلسين في السلطة التشريعية (مجلس النواب المُنتخب؛ ومجلس الشورى المُعيّن) قائماً. إشكال المعارضة كان حول حجم الصلاحيات الممنوحة لكل منهما؛ والملك هنا، ضد إلغاء مجلس الشورى، كما طالب البعض، فيما يجري الحديث في الشارع السياسي عن تعديل كفّة الصلاحيات لصالح المجلس المنتخب (النوّاب) ليكون مختصاً بالتشريع والرقابة؛ وأن يتم تعيين أعضاء الشورى وفق حالة من التوافق الوطني.

من الثوابت الوطنية التي أكّد عليها الملك: استقلال القضاء؛ وسيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة؛ واحترام الحريات العامة، وتكافؤ الفرص. هذه الثوابت تحتاج الى عمل (لتكريسها خلال الفترة المقبلة، لأنها أساس حياتنا، وتمثّل أساس انطلاقتنا نحو المستقبل) حسب الملك. فالفائدة الكبرى تتجلّى في التطبيق للثوابت الوطنية، وإلا لم تصبح ـ من الناحية العملية ـ ثوابت حقيقية، فقيمتها في تطبيقها وتأكيد مرجعيتها لمؤسسات الدولة، بحيث تنتظم حولها علاقة المواطنين ببعضهم وكذلك حقوقهم، وبذا تكون لحياتهم معنى، حيث الكرامة والعدالة والمساواة.

ولا يخفى أن عبارات مثل (المساواة، وتكافؤ الفرص) تلامس أوتاراً حسّاسة لفئات من المواطنين، لاتزال تستشعر بأنها لم تنجز حتى الآن. لإنجاز المساواة تحتاج البحرين الى المزيد من القوانين التي تجرّم التمييز، كما تجرّم الحض على الكراهية، وترسّخ قواعد العدالة والحقوق للجميع.

أيضاً أكد الملك على: (الالتزام بمسارات الإصلاح الشامل بما يتناسب مع ظروفنا ومصلحتنا الوطنية، وهويتنا وقيمنا، واحترام حقوق جميع المواطنين). ثم كرر قناعته (باستمرار الإصلاح الشامل الذي بدأناه معاً، وسنكمله معاً). هذه التأكيدات لها طعم مختلف هذه المرّة، فالوتيرة التي تمضي فيها عملية الإصلاح قد تشهد في الفترة القريبة القادمة صعوداً وتسارعاً من جهة إقرار تعديل الدوائر الإنتخابية؛ وتوسعة هامش الشراكة في صناعة القرار والسلطة التنفيذية؛ وتوسعة صلاحيات البرلمان في مجال التشريع والمحاسبة والرقابة؛ كما أن موضوع حقوق الإنسان ـ في حال نجح الحوار الوطني ـ سيشهد تطورات ايجابية كبيرة، سواء في مواجهة الإنتهاكات ومعاقبة من يقوم بها، أو من جهة مواءمة التشريعات المحلية لتتناسب المعايير الدولية، وكذلك توسعة فضاء حرية التعبير وتطوير الإعلام الرسمي بشكل يعبّر عن كل الأطياف السياسية والمجتمعية، وغيرها.