إعلام الأزمة وما بعدها
لازلنا في البحرين نعيش (إعلام مرحلة الأزمة) لا إعلام ما قبلها،
ولا يوجد مؤشر الى أنه يتوجه الى ما بعدها.
إعلام مرحلة الأزمة هو في حقيقة الأمر إعلامان، يخاطب جمهورين مختلفين.
وهو إعلام متأزم بسبب حقنه بداية الأزمة بجرعات زائدة من الطائفية،
والإقصاء، والإتهامات، وتطفيش الصحفيين، وملاحقتهم. هو إعلام يحوي
قدراً لا بأس به من النمطية، فالاخر متهم، موالاة أم معارضة. الآخر
لا يجب الإستماع له، بل تجب مقاطعته وقطع تأثيراته على الجمهور المسيّس
والمطيّف. نحن بإزاء إعلام خاص بكل جهة. الكاتب من نفس الفئة، والقارئ
من نفس الفئة، والصورة التي يرسمها للفئة الأخرى نمطية اتهامية.
إعلام مرحلة الأزمة هو إعلام متوتر، يعتمد الهجوم بدلاً من الدفاع،
وافتعال الأكاذيب والقصص عن الآخر وشيطنته. هو إعلام غرائزي، يضرب
على العصب الحسّاس لدى قرائه، ويستثير عاطفتهم وانتماءاتهم المذهبية،
ويهددهم بالخطر الماحق الذي سيقضي على مصالحهم الخاصة.
إعلام مرحلة الأزمة التي لازلنا فيها، هو إعلام حرب من حيث أنه
إعلام تعبئة ويحوي شحنات من التحريض والكراهية والتعصب ضد أعداء وهميين،
وتأثيره يقتصر على شحذ همّة الأتباع، وتغذية مخاوفهم، وتعزيز حالة
الظلامة المفتعلة أو المضخّمة لديهم، وحشرهم في الأقفاص السياسية فلا
يكون لهم خيار سوى البقاء فيها.
ليس لدينا إعلام وطني بكل ما تحمله الوطنية من معنى. ما لدينا من
إعلام يتحرّك بلا مرجعية من قانون، وبلا رؤية للمستقبل. هو مشغول بالإحتراب
الفئوي. منذ ما قبل الأزمة والى اليوم لم ينتج في البحرين قانون عصري
للصحافة والإعلام. من يحتاج الى قانون كهذا، أو يلتفت الى قانون كهذا،
ومدافع الحرب السياسية لم تتوقف؟ هذا الإعلام بهذه النوعية مطلوب في
مرحلة الأزمة.
مرحلة ما بعد الأزمة لا إعلام لها. المتخاصمون مشغولون بالحاضر
عن المستقبل. وبهذا أصبح الإعلام والإعلاميون ضحايا للأزمة؛ مثلما
هو الشعب نفسه أصبح ضحية الإعلام الفئوي.
ترى من يبشر بالمستقبل، من يبعث الأمل، من يقرّب المختلفين من منصّة
إعلامية واحدة، من يرشّد الخطاب السياسي ويشكم الخطاب الطائفي، من
يتفهّم وجهة نظر الآخر ويحترم مخاوفه ويكون لديه الإستعداد لنشرها
والدفاع عن حقه في طرحها؟
إعلام الأزمة غير معني بالمهنية والموضوعية، ولا يدير بالاً لوعي
المواطن، ولا بالبناء والإستثمار للمستقبل، ولا بحقوق الإنسان، اللهم
إلا من جانب الإستثمار السياسي أو تبرئة الذات في معركة السياسة.
إعلام ما بعد الأزمة، هو إعلام يعلي من شأن الإنسان وحقوقه وكرامته.
هو اعلام الوحدة الوطنية والمساواة والعدالة والتسامح.
لا إعلام وسطي في البحرين. وهذا واحد من مؤشرات أزمتها السياسية.
إذا ما ولد هذا الإعلام الوسطي، فنحن في طريق دفن الفتنة والأزمة معاً.
|