الآليات الوقائية أولوية

خلال أشهر الأزمة العديدة التي مرت بها البحرين، اتخذت المنظمات الحقوقية الدولية دور الراصد للإنتهاكات والمندّد بها، وهذا هو الدور الطبيعي المعتاد والمتوقع منها. وبرغم وجود ملاحظات حول تفاصيل هذا الدور، إلا أنه أثمر في النهاية عن اعتراف بوقوع تلك الإنتهاكات، وتراجع عنها، وتشكيل لجنة تحقيق بشأنها، ولجنة أخرى لتنفيذ توصيات لجنة التحقيق، وتعويض الضحايا، وظهور تشريعات جديدة، ووضع ضوابط ومدونات سلوك تحدد مسؤوليات رجال الشرطة، وإطلاق ورش تدريب للمسؤولين عن تنفيذ القانون، وإحالة منتهكي القانون وممارسي التعذيب على المحاكمة، وغيرها من الأمور.

يأتي هذا كلّه، والجيشان السياسي في الشارع، يتخلله بعض العنف، وعدد من التجاوزات، ما يجعل من مسألة منع وقوع الإنتهاكات ـ وبشكل كامل وصارم ـ أمراً صعباً. بالرغم من كل ما أنجز، فإن نقطة القلق المركزية يمكن وضعها في سؤال محدد: كيف يمكن وضع آليات وقائية تمنع وقوع انتهاكات حقوق الإنسان؟ هذا السؤال هو أهم من سؤال: كيف نعالج مشاكل الإنتهاكات بعد وقوعها؟

البحرين اليوم هي في مرحلة معالجة مشاكل الإنتهاكات التي وقعت، ولكن هذه المعالجات ستكون ناقصة إن لم تستكمل سريعاً بالمرحلة التالية، وهي وضع الآليات الوقائية لمنع وقوع الإنتهاكات من أساسها. بمعنى آخر، فإن البحرين بحاجة الى منظومة تتضمن وضع تشريعات وقوانين جديدة؛ وإنشاء مؤسسات رقابية وقضائية؛ وإصلاح القضاء؛ وتعزيز القدرات؛ وتفعيل مبادئ الشفافية في المؤسسات الرسمية؛ وغيرها.

بناء هذه المنظومة وبأقصى سرعة ممكنة، يمثل أولوية للناشطين الحقوقيين والمنظمات الحقوقية الدولية، ويفترض أن يكون أولوية أيضاً للحكومة البحرينية، التي قامت من الناحية العملية بعدد من الخطوات التشريعية وغيرها، وأعلنت عنها في الأشهر الماضية. بيد أن الحكومة، من جانب آخر، تبدو في حاجة الى المساعدة لاستكمال ما تقوم به، سواء من مفوضية حقوق الإنسان الدولية أو المنظمات الحقوقية الدولية نفسها، والتي أعلنت عن استعدادها لتقديم المساعدة في هذا الجانب. هذا النوع من التعاون ليس جديداً، فكثير من الدول سبق وأن قامت به. المهم أن تطلب حكومة البحرين ذلك، وأن تفتح آفاق التعاون مع تلك المؤسسات الدولية، وأن تمنحها الدور اللائق بها.

هذا التعاون ـ إن حدث ـ سيخلق مناخاً إيجابياً في العلاقات بين الطرفين؛ وسيحل من أزمة الثقة القائمة، كما أنه وسيلة فعّالة ومقنعة لتلك المؤسسات الدولية بأنّ البحرين تسير في الطريق الصحيح، من خلال إطلاعها على مشاريعها ورؤاها المستقبلية، وكيف انها جادّة في إصلاح الملف الحقوقي من جذوره.

بدون هذا التعاون، ستبقى بيانات التنديد بالإنتهاكات، وسيبقى عامل عدم الثقة سائداً.