صورتان للوضع في البحرين

هناك صورتان للوضع في البحرين، تسلّط عليهما الأضواء. الأولى ـ صورة تتعلق بالحكومة وعملها في تحسين سلوكها الحقوقي وتعديل أنظمتها وتشريعاتها من خلال تطبيق تقرير (بسيوني). والثانية ـ صورة مكثفة ومضخمة ربما ترصدها منظمات حقوق الإنسان: استمرار الإنتهاكات من وفيات بفعل مواجهات الشغب والغاز الكثيف، واستخدام القوة المفرطة.

يبدو أن الصورتين ستستمران جنباً الى جنب في المشهد البحريني الى فترة من الزمن. فمع أن هناك خطوات إيجابية ملموسة في الأداء الرسمي، فإن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: لماذا، وبالرغم من موافقة الحكومة على تقرير (بسيوني)، ونشاط لجنة (الصالح) الدؤوب لتنفيذ تلك التوصيات، لا تزال بعض التجاوزات والأخطاء تقع؟

يمكن عزو الأمر في جذره الى حقيقة أن المواجهات السياسية تجري في الشارع وليس في أروقة البرلمان أو على صفحات الجرائد، ومواقع التواصل الإجتماعي. وحيثما وجدت مواجهات مستمرة وبشكل يومي، فإنه لا يتوقع أن تخلو من أخطاء، فالصراع والإستقطاب السياسي هو المضخّة التي تتولّد منها الأزمة وتبعاتها.

لكن هناك جوانب أخرى للمشكلة، وهي:

1/ أن المواجهات في الشارع تنطوي على استخدام أدوات عنف، كالمولوتوف، وأسياخ الحديد، تفجير سلندرات الغاز، وهي قد أوقعت عدداً من الجرحى في قوى الأمن. مثل هذه الممارسات الناشئة بسبب تحريض المعارضة المتشددة، تنعكس على رد فعل من جانب قوى الأمن، مهما كانت التوصيات والتعليمات لها باحتواء الموقف بأقل الخسائر.

2/ إن تنفيذ توصيات بسيوني القاضية باحترام حقوق الإنسان من قبل أجهزة الأمن، بحاجة الى زمن حتى يتحول الى ثقافة عامة سائدة. والحقيقة فإن هذه الثقافة لم تتجذر في المجتمع البحريني بمن فيهم المتظاهرين أنفسهم. وعليه فإن وضع الإجراءات والتشريعات والمتابعة يحدّ من الأخطاء ولكنه لا ينهيها تماماً.

3/ الشعور باليأس لدى بعض قطاعات الجمهور من أن الحلّ السياسي للأزمة بعيد المنال حتى الآن؛ ما يفتح الأفق الى المصادمات واستمرار المظاهرات والإحتجاجات العنفية بشكل متكرر. فضلاً عن عدم وجود التواصل بين القوى السياسية والقيادات الدينية لتخفيف التوترات والمحفّزات على سلوك غير قانوني وغير سلمي.

وفي الجملة، فإن من المهم للغاية إدراك حقيقة أن الصراع السياسي الذي يتخذ من الشارع مقرّاً يومياً ودائماً له، سيؤدي ـ شاء اللاعبون السياسيون أم أبوا ـ الى وقوع تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان من الطرفين الحكومي والمعارض؛ لكن حجم تلك التجاوزات مرهون من جانب الحكومة وقوات الأمن بضبط النفس بالحدّ الأقصى المتاح، والإلتزام بالقانون؛ ومن جانب المعارضة فهي مطالبة بضبط الشارع وتوجيهه للعمل السلمي وعزل العنفيين وإدانتهم.