البحرين: مرحلة الحل السياسي
الحوار والمصالحة الوطنية هما الحل لأزمة البحرين. الحل السياسي
الذي جاء ضمن مبادرة ولي العهد، لم يتح له النجاح، وكان اهتزاز الوضع
الأمني واحداً من أسباب فشله. مع استتباب الأمن، يفترض أن يبدأ الحل
السياسي، فالإستقرار يمهّد لهذا الحل.
لا يستطيع ما اصطلح عليه بـ (الحل الأمني) أن يكون بديلاً عن الحل
السياسي. بمعنى أنه لا يمكن تحقيق الإستقرار السياسي بالحل الأمني
وحده. لماذا؟
لأنه حلّ مؤقت، ولأنّ الحلول الأمنية لها هدف واحد هو استتباب الأمن
وسيادة القانون، وهذه مرحلة أولى. بيد أن سيادة القانون والأمن لوحدهما،
لا يوفران نجاحاً كاملاً للأزمة السياسية. فقد تخمد الأزمة لفترة من
الزمن، ولكنها سرعان ما تعود الى السطح وقد تنفجر بشكل أشدّ.
من هنا، فإن حلّ المشكلات السياسية، يتطلّب ظرفاً أمنيّاً مستقرّاً،
يُؤسس عليه عملٌ سياسيٌ، وحل سياسي بعيد المدى، يوفر الإستقرار المكين،
ويفسح المجال للدولة بأن تتعافى من أزمتها.
لهذا نقول الآن، في وضع البحرين، بأنها جاهزة للحل السياسي، أو
على الأقل قد دخلت مرحلة الحلّ السياسي؛ وتمّ التعبير عن ذلك بإنهاء
حالة السلامة الوطنية، وإعلان الملك مبادرته للحوار والمصالحة الوطنية.
إن هذا يؤكد على أن البحرين دخلت مرحلة ما بعد (الحلّ الأمني) إن جاز
التعبير، والتي يفترض فيها أن تعود الأمور الى طبيعتها، وأن تستخدم
فيها أدوات سياسية وخطاب سياسي مختلف عن المرحلة السابقة.
لكن هناك من لم يدرك بعد أن البحرين دخلت مرحلة جديدة، معلمها التسامح
والحوار، والعقلانية، والمصالحة الوطنية، وتعزيز الثقة، وجبر الإنشقاق
الإجتماعي/ الطائفي، واعتماد الخطاب الوطني الجامع، وغير ذلك. وعدم
الإدراك هذا، يدفع بالبعض للدعوة الى (تمديد) أو حتى (تأبيد) الحلّ
الأمني، والى الإستمرار في الخطاب غير الوطني، والى استخدام كل مفردات
الحالة الأمنية من تشدّد في الموقف، والمحاسبة على الصغائر، وغيرها؛
بما يعني في المحصلة النهائية، تمني عدم النجاح في الحوار الوطني.
الذهاب بالحل الأمني الى أبعد مما يمكن لهذا الحلّ أن يؤديه في
استقرار الساحة السياسية، أمرٌ خاطئ، ولا يساعد على إنجاح الحوار الوطني،
ولا على خروج البحرين من أزمتها، وتفرض استقراراً هشاً على السطح دونما
الوصول الى العمق. الحلّ الأمني يمكن أن يحل عشرة أو عشرين بالمئة
أو أكثر أو أقل من المشكلة؛ أما البقية فلا يمكن حلها إلا سياسياً
وتوافقياً، سواء تعلّق الأمر في البحرين أو غيرها من الدول، لأن المشكلة
في أساسها سياسية وليست أمنيّة، وبالتالي يجب التعاطي معها بأدوات
السياسة.
من هذا المنطلق، يمكن القول بأن الحلّ الأمني بلغ غايته في البحرين،
بعد أن حقّق الإستقرار المطلوب؛ ولكي يكون هذا الإستقرار صلباً وثابتاً
في المدى البعيد، تأتي مبادرة الحوار الوطني التي هي بمثابة مرحلة
(العلاج السياسي) للمشاكل القائمة عبر الحوار، والتفاهم، والمصالحة،
وتقاسم المصالح، وتعزيز الوئام الإجتماعي.
|