استمرار الإصلاحات.. ضرورة
نتمنى أن تسود حالة من المراجعة والوعي لدى الأطراف السياسية الفاعلة
في البحرين. ونقصد بالتحديد أن تعمد تلك الأطراف الى إعادة قراءة مواقفها،
واكتشاف أخطائها، وعدم التسرّع في قراراتها، ومعرفة مآلات تلك القرارات،
وإدراك الأبعاد السياسية المحلية لها ضمن إطارها الإقليمي والدولي،
بما تتضمنه من مؤثرات بعيدة المدى على الوضع الداخلي برمته.
من الصحيح القول بأن الأحداث السياسية الصاخبة التي مرت بها البحرين
وما رافقها من مواقف لم تكن في كثير منها وليدة رؤية واضحة وتدبّر
ووعي؛ بقدر ما هي وليدة تسرّع وحماسة وانفعال؛ ومما يؤسف له فإن الأوضاع
لم تتغيّر كثيراً، حيث الأفعال وردود الأفعال والتشنّج.. وهذا يخرج
الفعل السياسي من دائرة التعقّل والوعي، ويبعد اللاعبين عن ميدان المراجعة
للذات، التي هي نقطة البداية لإصلاح الأوضاع، وتهدئة الأمور.
أوضاع البحرين تحتاج الى قراءات سياسية معمّقة، لأن القراءات المتسرّعة
والسطحية، تؤدّي الى المزيد من الأخطاء وعدم الإستقرار. فمثلاً، إن
كان هناك من يعتقد بأن ما جرى في البحرين سببه (الإصلاحات الديمقراطية)
وأن عدم الإستقرار كان ثمرتها؛ فإن الرأي المعمّق يقول بعكس ذلك تماماً:
أي أن غياب الإصلاح هو الذي يؤدي الى عدم الإستقرار واضطراب الأمن،
وإن عدم تطبيق القوانين بحذافيرها، واستثمار البعض لذلك أدى الى التمرد
على تلك القوانين، وعلى الإصلاحات نفسها.
ولهذا، فإن من الخطأ الإعتقاد بأن التنكّر الى الإصلاحات سيؤدي
الى المزيد من الإستقرار الأمني؛ ومن هنا تنبع أهمية الحفاظ على المنجزات
التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية، سواء في موضوع الحقوق السياسية
أو الحقوق المدنية والإقتصادية والإجتماعية.. فهذه كلّها منجز للبحرين
بأهلها وحكومتها وبرلمانها ونخبها وأصغر مواطن فيها. الإنفتاح الديمقراطي
واحترام حقوق الإنسان ضرورة للبحرين ونموّها واستقراها وتطورها، وهو
مبدأ لا يجب التخلّي عنه تحت أي ظرف؛ وعلينا ـ كما قال الملك ـ إيجاد
التوازن بين تحقيق الأمن وتطوير الإصلاحات.
هناك إدراك لدى القيادة يتعلق بالإصلاحات واستمراريتها، وأهمية
الإلتزام بحرية الرأي والتعبير باعتباره ركيزة من ركائز التنمية، كما
قال الملك في خطابه بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. لقد اكد
الملك على أن حرية الصحافة والإعلام تمثل القلب للإصلاحات في إطار
التعددية السياسية والثقافية والفكرية، وأنها (دعامة التطور الديمقراطي
وحق أساسي من حقوق الإنسان، وشريك فاعل في صيانة أمن الوطن واستقراره).
وقد طمأن الملك جميع الصحفيين والإعلاميين في مملكة البحرين بأن حرياتهم
مصونة وحقوقهم الدستورية مكفولة، ولن يضار أحد بسبب التعبير السلمي
والحضاري عن رأيه في ظل دولة القانون والمؤسسات، مطالباً الأسرة الصحفية
والإعلامية بتناول القضايا الوطنية بمهنية واحترافية وموضوعية، ونبذ
الفرقة والطائفية، ورفع الوعي العام الفكري والثقافي، وتعزيز الانتماء
الوطني والحفاظ على الهوية الثقافية العربية والإسلامية للمواطنين.
هذه الأمور هي ما يجب أن يفعّل على الأرض ويتم الإلتزام به، لأنه
الضمانة الحقيقية للأمن والإستقرار والتنمية، مثلما هي ضرورة لكرامة
المواطن وحريته ومشاركته في بناء وطنه.
|