ولادة للبحرين من رحم المأساة

وصف ولي العهد ما جرى في دوّار اللؤلؤة من سقوط للضحايا بأنه (المأساة)، وهو كذلك الى حدّ بعيد. لكن الأمم والشعوب هي التي تستفيد من الكوارث والأزمات والمآسي التي تمرّ بها، من أجل إعادة بناء الذات وتحصينها. ونظنّ أن ما يجري في البحرين، ليس كلّه سيئاً، فهناك في آخر النفق ضوء كبير.. وآمال عريضة بنظام سياسي أكثر رحابة، وتطورات أكثر احتراماً لحقوق الإنسان البحريني.

ما جرى مؤخراً في البحرين كشف لنا جميعاً نقاط ضعفنا، ومصادر قلقنا، وأخطائنا.. كما كشف فيما كشف أن هناك حدوداً للعبة السياسية، وأقنعنا بأن أحداً لا يستطيع أن يلغي الآخر، وأن قدرنا أن نعيش معاً وأن نبني البحرين الجديدة الحرّة الديمقراطية التي تحترم إرادة شعبها، وتقدّس التعددية الثقافية والمذهبية وحتى العرقية والدينية.

نحن لسنا على أبواب انفجار داخلي طائفي بين الشارعين السني والشيعي، أو سياسي ـ أمني بين السلطة والشعب. على العكس؛ نحن أقرب ما نكون الى الحوار والتفاهم والتلاقي، وتأسيس وضع سياسي جديد يتجاوز الآلام والمعاناة والأخطاء. من المؤكد أن الوضع القادم سينتج تعديلات دستورية، وسلسلة من الإصلاحات المتسارعة كانت متعثرة في أدراج البيروقراطية والإهمال والفساد.

ورغم التصعيد القائم بين المتخاصمين سياسياً، فإننا على أمل أن تقف البحرين على قدميها مجدداً، وأن يكون تراجعها الحقوقي وأزمتها السياسية التي مضى عليها أكثر من شهر، مسألة مؤقتة، تحفّز لانطلاقة تفتح الإنسدادات التي واجهها البرلمان والنخب الثقافية والحقوقية والسياسية كل في ميدانه.

ليس خطأ أن نبدأ من الصفر، لكن الخطأ أن ندمّر ما تمّ انجازه.

وليس خطأ أن تأخذ المطالبات حدوداً قصوى، ولكن الخطأ أن لا ندرك بأن للآخرين المختلفين معنا حقوقاً مماثلة تستوجب الإحترام والمحافظة عليها.

ومن الضروري أن يتوسع هامش النقد وإن كان شديد القسوة، خاصة في ظرف استثنائي تمرّ به البحرين، ولكن من المعيب أن لا ننزّه ألسنتنا عن الشتائم تجاه بعضنا البعض وتجاه شخصياتنا ورموزنا السياسية والدينية.

ومن حقّ كل واحد منّا أن يدافع عن حقوقه كشخص وكينونة، ولكن من واجبه أن يدرك بأن شريكه في الوطن له حقوق مماثلة، اعتماداً على مبدأ المساواة في المواطنة ومنع التمييز.

البحرين بلد السنّة والشيعة.. ومن الجريمة بمكان تحويل الخلاف السياسي الى خلاف طائفي، وشقّ الصفّ بين مواطنين يستحيل عليهم إلا أن يعيشوا معاً، وقدرهم أن يبنوا هويتهم الوطنية ويرسخونها وقت المحن أكثر منها وقت الأفراح.

أيها السياسيون: لا تحرقوا البحرين بنار الطائفية والإستئثار الفئوي؛ وليس أمامكم من مخرج إلا أن تتحاوروا وتتنازلوا لبعضكم البعض، من أجل البحرين الوطن والشعب. حينها يصبح ما جرى في ميدان اللؤلؤة ـ رغم قسوته على النفس ـ ذا فائدة ومعنى للأحياء والشهداء: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).