دعائـم الإسـتقرار

انطفأت حرائق الشوارع، وتقلّصت الى أبعد الحدود مظاهر العنف، وأقيمت الإنتخابات النيابية والبلدية في وقتها وحسب الإجراءات القانونية والمعايير الدولية. إن ملامح الإستقرار الأمني بادية للعيان. بيد أن البحرين ـ كما دول أخرى ـ بحاجة الى تأكيد دعائم الإستقرار التي تتطلب عملاً بعيد المدى، ويمكن حصر تلك الدعائم في ثلاث أساسية.

الأولى، الديمقراطية، وتوسعة هامش المشاركة الشعبية في صناعة القرار. فلا يكفي أن الناس ينتخبون ممثليهم في البرلمان حتى يصبحوا متساوين ومشاركين حقيقيين في صناعة القرار. المطلوب قبل هذا كلّه، وحتى يتمكن هؤلاء من المشاركة الفعلية ان يتمتعوا أولاً بحقوق أخرى ذات أهمية خاصة، وفي مقدمتها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات، وأن يتمتع المواطنون بحقوقهم الإقتصادية والإجتماعية الأساسية، إذ لا يمكن لمواطن غير قادر على توفير قوته أن يكون مشاركاً حقيقياً وحرّاً في صناعة قرارات تخص مصيره ومستقبله.

والمطلوب بعد انتخاب المواطنين ممثليهم في البرلمان: توسعة القنوات التي تمرّ عبرها القرارات والأنظمة والتشريعات؛ كما تمرّ عبرها التسهيلات الضرورية لتطوير حياة المواطنين في الميادين الخدمية والمعيشية. وإذا لم يستطع البرلمان من تحقيق ذلك، فإن العملية الديمقراطية ذاتها تصبح ضئيلة الجدوى، أو هي في الحقيقة معطوبة. هذا ما يجب أن يلتفت اليه صناع القرار وممثلو الشعب.

الثانية، إطلاق الحرية بأقصاها لقيام مجتمع مدني بحيث يستطيع جرّ الطاقات المجتمعية، وخاصة الشبابية منها، وحشدها للعمل التطوعي، والمؤسسي، ليتم بذلك إطلاق شحنة من النشاط والحيوية والوعي في المجتمع، وليحدث نقلة كبيرة في الثقافة العامة وفي توفير جزء من الخدمات الثقافية والإجتماعية والسياسية للجمهور.

إن ممارسة المواطنين حقّهم غير المقيد في إنشاء كيانات قانونية (مؤسسات أهلية) بما يعني تمكنهم من القيام بنشاط جمعي في مختلف مجالات المصلحة العامة، يعدّ أبرز أوجه تحقق حريّة الجمعيات التي من دون قيامها تكون هذه الحرية فارغة من أي معنى. والفارق بين النظم الديكتاتورية والديمقراطية يظهر في القوانين المنظمة لحق تأسيس المجتمع المدني، فكلما كانت القيود قليلة كانت تلك السلطات أقرب الى الديمقراطية.

نحن ندعو الى التعاطي بتسامح مع مؤسسات المجتمع المدني البحريني، والى إصدار قانون عصري ينظم تشكيل الجمعيات غير الحكومية، يطلق الحريات، ويبتعد عن سياسة التسلط والهيمنة للسلطات التنفيذية، بل ويشجع بأقصى ما يمكن نمو الجمعيات عدداً، ويوفر لها كافة الوسائل لتمكنها من تحقيق أهدافها.

الثالثة، إعتماد مناهج تعليمية، تساهم في تحقيق أمرين أساسيين: الأول، تكوين جيل يتمتع بجميع المهارات والكفاءات التي تمكنه من صناعة مستقبله والعيش بكرامة وبقدر معقول من الرفاه، حسبما تشير الى ذلك الخطة الوطنية 2030. والثاني، تربية الجيل الجديد المتنوع أصلاً في ثقافته، على احترام التنوع، وأهميته، وعلى تأكيد الرابطة والهوية الوطنية الجامعة؛ وكذلك تعليم المواطنين حقوق المواطنة وواجباتها، وبالتالي خلق مجتمع متآلف مع ذاته بمكوناته المتعددة، بعيداً عن التصورات النمطية، والرؤى التكفيرية والمتعصبة في النظرة الى الآخر.