التوتر الأمني خسارة للجميع

أكدنا في أعداد سابقة بأن الإصلاحات السياسية، والفسحة في حرية التعبير ضمن أجواء الديمقراطية الناشئة، أفادت الجميع؛ أي كل اللاعبين السياسيين؛ ومنظمات المجتمع المدني، والقوى الحيّة في المجتمع وشخصياته الدينية والإجتماعية.

النظام السياسي عزّز ـ وبقوّة ـ شرعيته عبر الإصلاحات، ودعم علاقاته مع النسيج الإجتماعي المتنوّع بشكل يكاد يكون غير مسبوق. وأجواء الحرية ساهمت في توعية المجتمع وقواه السياسية؛ ومنحت فرصاً واسعة للتعبير عن الرأي وعن الموقف. ومنظمات المجتمع المدني تزايدت اعدادها لتشمل كافة الأنشطة. والمنظمات الحقوقية استفادت من الأوضاع، ففي أجواء الحرية والإنفتاح ـ ومهما قيل عن تجاوزات ـ تضاءلت الإنتهاكات لحقوق الإنسان، ويمكن لأيّ باحث أن يقارن بين التقارير الدولية الحقوقية الماضية والتقارير التي صدرت في أعقاب الإصلاحات عام 2000. حتى المنظمات الدولية وجدت في البحرين ملاذاً لم تجده في دول أخرى مجاورة، ففتحت مكاتبها، واستخدمتها مقراً إقليمياً لأنشطتها وبرامجها التدريبية.

أما الأحزاب السياسية التي كانت تعمل بالسرّ، فخرجت من تحت الأرض، وسجّلت نفسها كجمعيات سياسية، وصار لها مكاتب وتمثيل في البرلمان، كما انخرط الكثير من كوادرها في العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها المؤسسات الحقوقية. زد على ذلك، فإن أولئك الذين تبنّوا آراءً متشددة، تجاه النظام، ودعوا الى إسقاطه، فإنهم ما كانوا ليستطيعوا ممارسة أي من نشاطاتهم لولا هامش الحرية الذي كان يتمتع به الجميع. لقد تظاهروا واعتصموا لسنوات، وتحدثوا وخطبوا وفعلوا كل ما أرادوه، بما في ذلك إشعال الحرائق والعنف في الشارع.

الآن يبدو أن كل الرابحين يمكن تصنيفهم في موقع الخسارة. فالتوتر الأمني الشديد لا يوفر سمعة حسنة لا للبحرين كدولة ولا للنظام السياسي، حتى مع الإعتقاد بأنه كان مضطراً لمواجهة حرائق الشغب والعنف. ليس من صالح البحرين ولا النظام السياسي ان يقال عنه بأنه تراجع في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، ولو كان الأمر بصورة مؤقتة وطارئة. ولا نظن أن المنظمات الحقوقية الدولية سعيدة بما يجري في البحرين، وهي على الأرجح كانت ولا تزال تنتظر حدوث تطورات إيجابية في حرية التعبير والمشاركة السياسية (الإنتخابات وإقرار قانون الصحافة وقانون مؤسسات المجتمع المدني ـ مثلاً). ومثل ذلك يمكن القول بأن تطورات الأوضاع في الشهرين الماضيين شكلت عنصر خسارة للاعبين المحليين السياسيين والحقوقيين (الجمعيات السياسية والحقوقية). وحتى دعاة التشدد، فإن ما جرى من مواجهة معهم لا يمثل بالقطع مكسباً لهم.

ما يخلص اليه هو أن تخريب العملية السياسية، وخرق السفينة التي تحمل الجميع عبر الممارسات السياسية غير الناضجة والأفعال غير المسؤولة، لا يحقّق ضرراً بجهة واحدة، وإنما الجميع. وكما الربح في أجواء الحرية والإلتزام بالقانون واحترام حقوق الإنسان، فإن الخسارة تكمن في تجاوز كل ذلك.

لن يكون هناك خاسر واحد وإنما الجميع.

ولن يكون هناك رابحٌ واحدٌ من اعتماد لغة العقل والمنطق والقانون واحترام الآخر، بل كل الأطياف السياسية، الحكومية والشعبية، وحتى بعض القوى الخارجية كالمنظمات الحقوقية الدولية.