مواجهة العنف واحترام حقوق الإنسان
كان العنف والشغب سيوصلان الحكومة عاجلاً أم آجلاً الى مرحلة المواجهة
مع دعاته والمحرضين عليه كما منفذيه. لم تشأ الحكومة في البداية أن
تستخدم الفسحة القانونية التي لديها في مواجهة أولئك الدعاة والمحرضين.
والهدف كان الخشية على الديمقراطية الوليدة والعملية السياسية الناشئة.
ولما كان العنف قد استمر لسنوات، وتجاوز حدوده، وصلت الحكومة الى نقطة
المواجهة وعدم التسامح، وحسب التعبير الحكومي: وجوب فرض القانون.
أن تجري عمليات اعتقال على خلفية ما شهدناه من عمليات شغب وعنف
وتوتر مستمرة، مسألة متوقعة، ونقول مبررة قانوناً. فالحكومة لها الحقّ
في فرض الأمن والإستقرار ضمن الإطار القانوني لصلاحياتها، حفاظاً على
مصالح المواطنين واستقرار عيشهم.
الأمر غير المبرر وغير المقبول أن لا تلتزم القوى الأمنية بالقانون
الذي يضبط تصرفاتها سواء في مسألة الإحتجاز، أو توفير حقوق المعتقل،
أو المحاكمة العادلة. حتى الآن، فإنه شابت مسألة الإحتجاز بعض الخروقات،
يأتي في مقدمتها عدم السماح للمحتجزين بلقاء محامين يدافعون عنهم؛
وكذلك التأخير في الإعلان عن أماكن الإحتجاز.
مواجهة العنف والشغب أمر حظي بإجماع داخلي، كما توضح ذلك التصريحات
والبيانات الصادرة من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، التي
أدانت تصاعد العنف وتعريض المصالح العامة للخطر.
لكن اختراق القانون، في سبيل مواجهة ممارسي العنف، أمرٌ آخر. فهذا
الفعل هو ابتداءً خلاف القانون البحريني، وخلاف الدستور ثانياً، والأهم
أنه لا يساهم في مكافحة المحرضين والممارسين للعنف في الشارع. فضلاً
عن ذلك، فإن تجاوز القانون من قبل قوى الأمن ـ أو بعضها ـ في تعاطيها
مع (شباب المولوتوف!) والمحرضين لهم على العنف، يمنح الأخيرين تعاطفاً
ودعماً، ويضعف من الحجج التي تسوقها الأجهزة الحكومية بأنها تريد فرض
القانون.
فرض القانون لا يعني تجاوزه. وتفعيله لا يعني مطلقاً أنه يتعارض
مع مبادئ حقوق الإنسان، بل يعني في مضمونه حماية لها. لكن يجب التمييز
بين (تفعيل) القانون وتطبيقه بالصرامة لمنع توسّع العنف، وبين (تجاوز)
القانون الذي قد يجرّ الى المزيد منه.
نعلم أن البحرين عانت من العنف غير المبرر لسنين عديدة، ونعلم أن
هامش الحريّة استغلّ بشكل سيء لتخريب العملية السياسية، ونعلم أن الحكومة
كانت تبحث عن حلول تصالحية مع أوضاع شاذة.. لكن حين تقرّر الصرامة
فيجب أن لا يغيب عن البال، أن قوة البحرين إنما تكون باحترامها للقانون،
وقوة أمنها إنما تكون بمواجهة العنف عبر القانون الذي هو سلاح العدل
والإنصاف.
ما نريد قوله هنا وبشكل مختصر هو التالي: هناك إجماع على إدانة
العنف، كما هناك إجماع على احترام القانون وحقوق الإنسان. فلتكن مكافحة
العنف والشغب وفق القانون البحريني، ووفق المعايير الحقوقية.
|