فائض حريّة التعبير!
وفّر المشروع الإصلاحي ـ حينما انطلق ـ مساحة غير مسبوقة من حريّة
التعبير بمختلف أشكالها. ولكن وبعد عشر سنوات، تبيّن أن هناك حاجة
الى المزيد منها. يكشف عن ذلك النقد المتواصل لقانون الصحافة والمطبوعات
الحالي، والمطالبة المتواصلة بتعديله أو تغييره، والإستعجال في إقرار
ذلك من قبل البرلمان. وقد لوحظ في السنتين الأخيرتين بالذات تصاعد
حدّة النقد للقانون، وتكاثر الشكاوى حوله، وتواصل النقد له من قبل
المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، ما يعني أنه لم يعد يخدم المرحلة
الحالية، ولا يلبّي مطالب المواطنين وحاجتهم الى المزيد من الحريات،
كما أنه لا يتماشى مع ظروف الثورة التكنولوجية التي عمّت الكون.
ومما يدلّ على أن قانون الصحافة والمطبوعات الحالي قد تجاوزه الزمن
منذ فترة طويلة، هو أن الصحفيين والكتاب وأصحاب المدونات والمواقع
على شبكة الإنترنت قد تجاوزوه منذ سنوات، كما أن الحكومة نفسها أدركت
منذ وقت مبكّر صعوبة الأخذ بحرفيته وإلزام الإعلاميين بقيوده، ولذلك
تغاضت في معظم الأحيان عمن يتجاوز نقاطه السلبية ويتوسع في ممارسة
النقد ويخرق التابو على عدد من الموضوعات ذات الحساسية الخاصة. لذا
فالمواد السلبيّة في القانون، والتي يتم الطعن فيها دوماً، لم تغيّر
من الحقائق على الأرض ـ حتى مع الحجب لعدد من المواقع الإلكترونية،
ولم يتم اعتقال صاحب رأي أو صحفي أو كاتب واحد، طيلة السنوات العشر
الماضية. ومع هذا، لم تجن الحكومة من سلبيات هذا القانون سوى سوء السمعة
في المحافل الدولية.
الحقيقة التي ينبغي إدراكها هي أنه مهما كان هامش حرية التعبير
واسعاً في البحرين، وهو كذلك بالفعل، فإن هذا الهامش قد يرضي المواطنين
لفترة زمنية محدودة؛ فمن طبيعة البشر أنهم يطلبون المزيد؛ ومن خصائص
الحرية أنها تدفع باتجاه التوسّع. وبالتالي فإن القول بأن الحرية الموجودة
(كافية، أو فائضة عن الحاجة) ليس دقيقاً، فعلى الدوام هناك حاجة الى
المزيد منها، وما يقبل به المواطنون اليوم يريدون أكثر منه في الغد.
لا يوجد فائض في حرية التعبير، بل توجد حاجة مستمرة للمزيد منها.
سقف الحرية، وبينها حرية التعبير، يصعب إبقاؤه عند خط محدد، ولكن
يمكن تأطيره في الحدود المتعارف عليها دولياً مثل: أن لا يتم تجاوز
حقوق الآخرين بحجّة حريّة التعبير؛ وأن لا تستخدم تلك الحرية في التحريض
على العنف والكراهية والعنصرية؛ وأن لا تسيء للقيم المتعارف عليها
بداهة في المجتمع أو تتعارض مع مصالح الوطن والمواطنين العليا (شرط
تعريفها).
من المؤسف جداً أن مشروع قانون الصحافة الجديد الذي ما فتئت المنظمات
الدولية والمحلية تلحّ على سرعة إصداره لم ينجز حتى الآن. وها قد انتهى
عمل البرلمان، بانتظار الإنتخابات البرلمانية القادمة في أواخر هذا
العام؛ ما يعني أن القانون العصري والمأمول لن يرَ النور قريباً.
الملك في خطابه الأخير بمناسبة يوم الصحافة العالمي، كان واعياً
لتطور احتياجات المواطنين للمزيد من الحرية في التعبير، فتحدّث بما
يطالبون به من ضرورة توسعتها وخاصة في مجال الصحافة والمواقع الإلكترونية،
وعدم تعريض الصحفي للاعتقال والتقييد. لقد تعهد الملك في 2/5/2010
بعدم معاقبة الصحفي بالسجن أو إغلاق الصحيفة أو أية مؤسسة إعلامية
على خلفية (ممارسة الحق الدستوري في التعبير عن الرأي). وأضاف: (نفخر
بأنه منذ انطلاق مشروعنا الإصلاحي والمملكة خالية تماماً من أي سجين
سياسي أو معتقل رأي، وإن عهدنا دائماً هو تشجيع أي إضافة مميزة في
عهد الحريات الإعلامية). وتمنّى (أن يثمر التعاون بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية عن الخروج بقانون عصري مستنير للصحافة والطباعة والنشر،
يتماشى مع مستجدات عصر المعلوماتية والمعرفة والانفتاح) وأن تتطور
التشريعات الإعلامية (لفتح آفاق أرحب لحرية الرأي والتعبير في إطار
الشفافية والإفصاح وحرية تداول المعلومات).
نتمنى أن يكون قانون الصحافة الجديد بمستوى الطموح الذي حواه خطاب
الملك الأخير!
|