إنعطافة سياسية حقوقية
قد تكون سابقة تاريخية على صعيد البحرين كما منطقة الخليج بأسرها،
أن يتم توقيف وزير، ويوجه له اتهام بالفساد. وجود الفساد في المستويات
التنفيذية العليا ليس هو ما يثير الدهشة، وإنما التحقيق مع أبطاله
هو المثير. وفي البحرين، حيث المطالبة المستمرة بمكافحة الفساد، ومحاسبة
المسؤولين، جاء خبر توقيف وزير الدولة منصور بن رجب يوم 18/3/2010
وتفتيش مكاتبه والتحفظ على هواتف مساعديه ومصادرة أجهزة الكمبيوتر،
وبعدها التحفّظ على ممتلكاته وحساباته البنكية كما حسابات شركائه ومنعهم
من السفر جميعاً.. جاء الخبر مفرحاً، للأغلبية الساحقة من المواطنين،
الذين فوجئوا بالخبر حين أعلنت وزارة الداخلية توجيه التهمة لوزير
الدولة على خلفية (القيام بعمليات غسيل أموال في الداخل والخارج) وأن
الوزير كان تحت الرقابة منذ بداية عام 2009، وأن اتصالاته ولقاءاته
قد أخضعت للرقابة المكثفة منذ ذلك الحين الى أن تمّ وضعه في دائرة
التحقيق والإتهام.
أسباب غبطة الجمهور واضحة: فهناك نقمة شعبية على الفساد، وهناك
انتظار شعبي لتطبيق قرارات مكافحة الفساد على أرض الواقع، خاصة ذلك
الذي يتورّط فيه المسؤولون. ولازالت هناك دعوات تطالب بالمزيد من الشفافية
والمساءلة ووضع الجميع تحت طائلة القانون بدون محاباة أو مزاعم حصانة
سياسية وخطوط حمراء اجتماعية. وبالنسبة لمنظمات المجتمع المدني البحرينية،
فإنها رحّبت بخطوة مواجهة الفساد، ورأت في ذلك إشارة تطوّر في المناخ
الديمقراطي البحريني، يفترض أن تتبعها خطوات أخرى صارمة في هذا الإتجاه
بحق كل من يتجاوز على المال العام، ويستغل منصبه لأغراض شخصية وللإثراء
غير المشروع.
من حسن الحظ أن دستور البحرين لا يمنح الحصانة للمسؤولين التنفيذيين،
كالوزراء وغيرهم، وهو يحصرها فقط في ممثلي الشعب في البرلمان. وحين
أبدى البعض خشيته من مسألة (حصانة الوزير) أوضح المسؤول في النيابة
العامة عبدالرحمن السيد بصورة لا لبس فيها بأنه: (لا تهاون في الجرائم
التي تتعلق بالفساد أو غسل الأموال، كائناً من كان المتورط فيها، وزيراً
أو غيره)(19/3/2010). وجاء قرار الملك في 22/3/2010 بعزل الوزير منصور
بن رجب من منصبه، ليضع حدّاً لأية تخرّصات.
ما جرى حتى الآن أمرٌ في غاية الأهمية، وهو يخدم المسار الديمقراطي
البحريني، من جهة تعزيز سلطة القانون، والشفافية في الأداء، والمحاسبة
للمسؤولين، وتوسعة النقاش الشعبي والإعلامي الحرّ في قضايا كانت تعتبر
يوماً من المحرمات.
الصحافة البحرينية، والتي تتمتع بهامش كبير من الحرية، غطّت كالعادة
خبر التحقيق مع الوزير، واستعرضت المقالات والتحليلات العديدة في هذا
الشأن، كما كشفت بشكل واضح عن رغبة جارفة في نفوس المواطنين تجاه تدعيم
أُسس دولة القانون. وبالرغم من حقيقة أن ما جرى للوزير بن رجب حتى
الآن لا يعدو التحقيق، وأنه متهم وبريء الى أن تثبت إدانته، إلا أن
الصحافة ـ وهذا يؤخذ عليها ـ افتعلت تحليلات وأخباراً، وسيّست الموضوع
وأعطته حجماً أوسع من حقيقته، ما جعل بعضها ينحو الى التشهير ويكشف
عن ضعف في المهنية.
وإزاء تكاثر التجاوزات الصحفية، نبّهت النيابة العامة (22/3/2010)
الرأي العام، وذلك على لسان نواف عبدالله حمزة، الى (خروج بعض الصحف
والنشرات الصحفية بتكهنات وتصورات متعددة للوقائع موضوع التحقيقات
من حيث ظروفها وأبعادها... بعض مما تم نشره غير صحيح ولا يتفق مع الواقع
الذي بين يدي النيابة)، مؤكداً على (عدم التسرع في نشر أية معلومات
عن القضية قبل التثبت من صحتها) وداعياً الى (عدم التراشق والتباري
في تأويل الأدلة).
وبالرغم من الأخطاء التي وقعت فيها بعض الصحف، فإن من المؤسف القول
بأن النيابة العامّة، منعت في 25/3/2010 نشر أي تفاصيل في قضية الوزير
موضوع التحقيق، ضمن سياق تأمين العدالة وضمان نزاهة التحقيق. ومع هذا،
نرى أن المسألة لم تكن تتطلّب المنع، وكان ينبغي معالجة الموضوع بطريقة
أخرى، خاصة وأن حظر النشر، يفتح المجال واسعاً أمام التكهنات والمزيد
من التسييس.
|