ماذا بعد التقرير؟
الحقيقة لم تنكشف (كاملة) بالتقرير الذي أصدرته هيومان رايتس ووتش
الشهر الماضي، تحت عنوان مثير هو (التعذيب يبعث من جديد). ومع أن هناك
كثيرين وجهوا نقدهم اليه، لما احتواه من ثغرات، فإنّ له رغم ذلك وجه
إيجابي، ضاع في زحمة النقاش والجدل الذي أثاره داخل البحرين، سواء
بين الإعلاميين والحقوقيين، أو بين الجهات الرسمية أو أعضاء البرلمان.
ثغرات التقرير كثيرة مثل: غياب وجهة النظر الرسمية تجاه المزاعم،
واعتماده بشكل كامل على أقوال معتقلين سابقين في أحداث شغب وعنف، هم
في الغالبية الساحقة من ذوي الإنتماءات السياسية المعارضة لمسيرة الإصلاحات.
وأيضاً فإن بعض المعلومات التي وردت في التقرير ليس فقط غير دقيقة،
بل غير صحيحة، مثل بعض الأسماء التي وردت لموظفين في وزارة الداخلية،
تبيّن أن لا علاقة لهم بموضوع التقرير.
لا نعتقد بأن هيومان رايتس كانت تستهدف التشهير بالنظام السياسي
في البحرين، وعليه لا يمكن قبول الإتهامات التي تلقى على عواهنها ضد
المنظمة بأنها عميلة للمخابرات الأجنبية وما أشبه، وهي اتهامات وردت
من كتاب في الصحف ومعلقين إعلاميين. نحن نفترض حسن النيّة، وأن هدف
التقرير إصلاح الوضع إن كان خاطئاً، ويجب أن نستفيد منه على هذا النحو.
من الناحية الإيجابية، فإن من المهم التذكير بأن التقرير أطلق من
البحرين، وبالتحديد من مقرّ الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وهي
أول جمعية حقوقية تأسست في عهد الإصلاحات، وقد تمت مناقشته بإسهاب
واستفاضة في الصحافة والإعلام، كما تم التعليق عليه في أروقة البرلمان
ومن قبل مسؤولي الدولة. وبقدر ما أعطى هذا الأمر مؤشراً على مساحة
الحرية، وثقة النظام بنفسه وبمشروعه.. فإن التقرير ولّد حراكاً سياسياً
وحقوقياً ونقاشاً إيجابياً على المستويات الرسمية والشعبية والتشريعية،
انطلقت معه موجة من الوعي بقضايا حقوق الإنسان، وبتطلعات غير محدودة
لما يجب أن يكون عليه الوضع الحقوقي في الدولة.
ومن المتوقع أن يبعث التقرير روحاً جديدة في الأجهزة الرسمية خاصة
وزارة الداخلية، ويدفعها للتحقيق في مزاعم التعذيب، ووضع الآليات التي
تمنع وقوعه، وكذلك آليات التحقيق بشأنه. كما يفترض أن تكون المؤسسات
الرسمية المعنيّة بموضوع حقوق الإنسان قد تعلّمت درساً من التقرير،
يقول بأن التأخير في الرد على الجهات الحقوقية الدولية، لن يجعل هذه
الأخيرة تنتظر الى ما لا نهاية، بل ستصدر تقاريرها حتى وإن لم تتضمن
وجهة النظر الرسمية.
نحن متأكدون بأن التعذيب في البحرين لا يمثّل حالة منهجية. وفي
الوقت الذي لا يمكن فيه القطع بعدم وجود تجاوزات للقانون، فإن الموضوع
برمّته لازال محاطاً بالشكوك، نظراً لغياب الشفافية من قبل الحكومة
من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحالات التي ذكرها تقرير هيومان رايتس
ووتش تضمنت قدراً من المبالغة في التوصيف من قبل من أدلوا بشهاداتهم
حول الموضوع. لكن الشيء المؤكد، هو أن التقرير لا يكفي لكشف ملابسات
التعذيب، وأن الأجهزة الحكومية مطالبة ـ وهي قد وعدت عبر وزارتي الداخلية
والخارجية ـ بدراسته والتحقيق فيما تضمنه من قضايا، بصورة شفافة ومهنية.
وينبغي هنا التذكير بحقيقة أن وزارة الداخلية كانت قد اعترفت ضمناً
بوجود تجاوزات، حين أحالت قبل عدّة أشهر عدداً من منتسبيها الى القضاء،
وقد أكّد وزير الداخلية هذا الأمر مرّة أخرى بعد صدور تقرير هيومان
رايتس ووتش. لكن الوزارة نفسها، لم تكشف للرأي العام، وبصورة شفافة،
عن طبيعة تجاوزات منتسبيها وسبب إحالتهم الى القضاء، كما لم تكشف عن
نتائج الأحكام التي أصدرها القضاء (إن وجدت)، فضلاً عن أن التحقيقات
التي أجرتها في فترات سابقة في قضايا أخرى لم يعرف عنها شيء.
نتمنى أن يضع التقرير حدّاً للجدل واللغط الدائر حول مزاعم التعذيب.
يجب أن توجد آلية تحقيق مقبولة تتسم بالشفافية والمهنية والحيادية،
وتتعاطى مع كل القضايا والإشاعات والمزاعم المتعلقة بالتعذيب، كيما
تكون مقبولة من قبل الأطراف كافة.
|