(الميثاق) والنظرة الشاملة لحقوق الإنسان

تمرّ علينا الذكرى السنوية لإقرار ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، والذي خرج من رحمه الدستور، والإصلاحات الوطنية الأخرى في مجالاتها المتعددة. تضمن الميثاق في فصوله السبعة أهم المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان في البحرين، مثل: كفالة الحريات الشخصية والمساواة؛ ومنع التعذيب والتمييز؛ حرية العقيدة والتعبير والنشر، وتكوين مؤسسات المجتمع المدني وواجب الدولة في توفير فرص العمل؛ وتأكيد سيادة القانون واستقلال القضاء؛ والإقرار بحق الشعب في المشاركة في الشؤون العامة؛ وتأسيس حياة نيابية؛ وغيرها.

من الواضح أن موضوعات حقوق الإنسان في إطارها العام واسعة وشاملة؛ وتحقيقها على أرض الواقع يعني تغييراً جذرياً في هياكل الدولة وتشريعاتها ومؤسساتها وأدائها. بمعنى آخر، إن ما يتبادر الى الذهن لدى البعض بأن حقوق الإنسان تتلخّص في إيقاف الإنتهاكات ومنع التعذيب والإعتقال التعسفي وتوفير محاكمات عادلة، ليس صحيحاً. فهذه المسائل ما هي إلا مفردات أو حلقات في سلسلة طويلة من منظومة أوسع، ولا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق تطوّر في الجسد الأكبر، ونقصد به بنية الدولة نفسها وأجهزتها. لا يمكن تحقيق احترام حقوق الإنسان حتى في الجزئيات، بدون أن تتطوّر أجهزة الدولة ويتطور أداؤها في المجالات المختلفة.

لا يمكن مثلاً أن توقف الإنتهاكات بدون تشريعات، والتشريعات الصحيحة هي تلك التي تحتكم لمبادئ عامّة كتلك التي ذكرها الميثاق الوطني، وهي تلك التي يضعها المشرّعون في قوانين؛ والمشرّعون لا يكونوا فاعلين إلا إن كانوا منتخبين. ثم إن التشريعات بحاجة الى آليات ومؤسسات تعمل على تطبيقها على أرض الواقع. وهذه المؤسسات بحاجة الى كفاءات من نوع مختلف، أو بحاجة الى تدريب بعض المسؤولين في المستويات المختلفة للإدارة الحكومية، والى تخصصات جديدة، والى تعليم وتثقيف مختلف للمسؤولين كيما تتغير ذهنيتهم، كما تغيير ذهنيّة المجتمع نفسه، من خلال الإعلام ووسائل النشر والتثقيف. وهذا كله يتطلب مساحة واسعة من الحرية في التعبير والإجتماع والتنظيم والتمويل وغيرها.

كل هذا يشير الى حقيقة ان هناك علاقة وثيقة ومتبادلة بين موضوع حقوق الإنسان وأجهزة الدولة الأخرى، وإن التغيير الإيجابي في أحدها يؤثر على الآخر. التغيير في موضوع حقوق الإنسان، يعني تغييراً كبيراً وجوهرياً ومستمراً ومتراكماً في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعة والقضائية، كما في المجتمع نفسه: ثقافة وتعليماً وقيماً ومجتمعاً مدنيّاً. وهنا نخلص الى أنه لا يمكن أن تتطور أوضاع حقوق الإنسان في البحرين بمعزل عن تطور كامل في سلسلة الحلقات المرتبطة بها.

ما جرى بعد الميثاق، هو تطوّر شمل بنية الدولة وفي كل الموضوعات بنسب مختلفة، وبينها موضوع أو مفردة حقوق الإنسان التي لا تستطيع النهوض إلا ضمن كامل السيستم. وعليه فإن قياس تطوّر حقوق الإنسان يجب أن يأخذ بعين الإعتبار كل الأبعاد الأخرى. ويفترض في المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين أن تكون نظرتهم شاملة لكل الأبعاد الحقوقية، بحيث لا يحصروا أنفسهم وبشكل روتيني في مفردة واحدة من قضايا حقوق الإنسان الكليّة. كما يفترض بهم معرفة تأثير الحلقات المختلفة في الدولة والمجتمع على الموضوع الحقوقي، وبالعكس، بحيث تتبيّن لهم الإمكانات المتوفرة وبعيدة المدى، كما تتوضح لديهم آنئذ الصعوبات التي تنتظرهم والجبهات التي تتطلب أولويات في النضال الحقوقي. وبمثل هذه الرؤية، قد تحتاج البحرين الى المزيد من منظمات المجتمع المدني الكفوءة والمتخصصة لتغطي الأبعاد المختلفة لموضوع حقوق الإنسان بمعناه الواسع.