المؤسسة الوطنية.. ضمير الدولة!
تعهدت الحكومة البحرينية طوعياً لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم
المتحدة بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان. وهي حين باشرت بالخطوات
الأولى، فإنها تدرك أبعاد ومتطلبات عمل مثل هذه المؤسسة التي أعلنت
في شهر نوفمبر الماضي، والتي رأت النور ليس بسبب ضغط دولي أو محلّي،
بل انعكاس لرغبة عليا في تطوير أجهزة الدولة والقفز بالموضوع الحقوقي
الى أبعاد متقدمة أخرى.
وجود المؤسسة يعني فيما يعنيه أن الحكومة البحرينية ستقوم بممارسة
رقابة ذاتية على سلوك أجهزتها وهياكلها، منعاً لحدوث اية انتهاكات،
واذا ما حدثت فإنها لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات المناسبة.
وبما أن الحكومة مقتنعة بضرورة وجودها، فإنها تدرك بأنها مطالبة
بإصلاح كبير في تشريعاتها وسدّ النواقص في القوانين الموجودة، والإلتزام
بالمعايير الحقوقية المتعارف عليها دولياً. كما أنها مطالبة بالمزيد
من الشفافية والترسيخ لمنهج حقوق الإنسان كيما يكون حاضراً في أذهان
المشرعين والسلطات التنفيذية والقضائية.
ويعني وجود مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ان الحكومة مؤمنة بضرورة
إحداث انعطافة في علاقاتها مع المؤسسات الحقوقية الدولية ومع منظمات
المجتمع المدني المحليّة، تعتمد على التنسيق والإنفتاح والتواصل والصدق
وتوفير المعلومات. كما يعني ان عليها المزيد من الإلتزمات في ترويج
ثقافة حقوق الإنسان بين مواطنيها، من خلال الاجهزة الاعلامية الرسمية
او المؤسسات شبه الرسمية.
ويعني إيجاد مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، ان الحكومة صارت أكثر ثقة
بنفسها وبأدائها والمنهج الذي تسير عليه، وأن لديها القدرة على تحمّل
النقد مهما كان لاذعاً، وأن مسؤوليها لديهم الإستعداد والإمكانية للتعاطي
مع التطور المفترض الذي ستحدثه المؤسسة الجديدة. ان إنشاء مؤسسة وطنية
لحقوق الإنسان خطوة متقدمة تتطلّب القفز بذهنية المسؤولين في أجهزة
الدولة في تعاطيهم مع الموضوع الحقوقي، بحيث يتحملون المزيد من النقد
والمساءلة وجرد الحساب عبر التحقيق وغيره، وذلك حتى يمكن للمؤسسة الوطنية
أن تؤدي دورها دونما عوائق كبيرة. ومن هنا على الحكومة ـ وحسب المرسوم
الملكي ـ أن توفر كل عوامل النجاح لها ابتداء من الحفاظ على استقلاليتها
وحياديتها وتوفير المعلومات لها والتجاوب مع تحقيقاتها، ورفدها بما
تحتاجه من الموارد المالية والبشرية.
الحكومة هي التي تعهدت طوعاً برغبتها في انشاء المؤسسة الوطنية
لحقوق الانسان، ويفترض أن تكون مستعدّة بكامل طاقمها السياسي والإداري
للتعاطي المنفتح معها. فهي ليست جهة أجنبية يمكن للبعض ان يتهمها بأنها
منحازة لهذا الطرف او ذاك، ولا هي مؤسسة تستهدف إضعاف النظام والترويج
للأكاذيب.. بل هي مؤسسة تمثل (ضمير الدولة) الذي يراقب ويسجل الانتهاكات
ان حدثت، ويدافع عن الضحايا، ويتواصل مع العالم ومع الجمهور المحلي
ثقافيا وإخباريا وتطويرياً وتأهيلاً. هي مؤسسة تمثل قلب الحكومة النابض،
وهدفها خدمة الجمهور والحكومة والمجتمع المدني وتطوير رؤاهم وأداءهم
جميعاً. إنها جزء من نسيج الدولة والمجتمع تعمل للصالح العام، ولا
يمكنها ان تؤدي دورها إن انحازت، أو لم يتم التعامل الصحيح معها، أو
إذا اعتبرت تقاريرها مجرد دعاوى للإستهلاك.
حين تبدأ المؤسسة عملها، نريد أن نرى أبواباً مفتوحة أمامها، ونريد
شفافية في التعاطي معها، ونريد من مؤسسات المجتمع المدني تعاوناً وتعضيداً،
كما نريد منها هي نفسها أن تثبت مهنيتها وأنها مدافعة عن الصالح العام
وعن الشعب كل الشعب، فدفاعها عنه، يمنح الدولة قوّة ولا يضعفها، وقوّة
المؤسسة تمثل إضافة لجهاز الدولة وعوناً له.
|