بين القضية الجنائية والقضية الحقوقية
يمكن أن يكون غطاء للآخر، فيمكن استخدامه من قبل الحكومات التسلّطية،
أو من الجمعيات الحقوقية المسيّسة. فالأولى تستطيع أن تحوّل الموضوع
الحقوقي والسياسي الى قضية جنائية، والثانية تستطيع أن تسبغ على الموضوع
الجنائي المحض صفة حقوقية وإنسانية.
وقد كشفت قضية الإعتداء على المواطن جعفر كاظم إبراهيم بالضرب الشديد
واتهامه لأجهزة الأمن بأنها من قام بذلك، وما ترتب على الإتهام من
توتير في الشارع البحريني، ليثبت فيما بعد كذب المدّعى، وأن من قام
بالإعتداء لا علاقة لهم بأجهزة الأمن.. كشفت القضية حقائق يفترض أن
تكون نصب عين العاملين الحقوقيين، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى،
والجمعيات السياسية، ورجال الدين، وغيرهم، ممن انخرطوا في الموضوع
بصورة أو بأخرى.
من أهم تلك الحقائق، سهولة الربط بين القضايا الجنائية التي يرتكبها
الأفراد، والقضايا الحقوقية المحقّة المشمولة بالدفاع عن حقوق الإنسان.
والقضية التي نحن بإزائها، والتي وقعت أحداثها الشهر الماضي، بيّنت
أن المعتدى عليه، وهو ناشط سياسي، ارتكب خطأً يتعلّق بـ (الشرف) لم
يشأ الإعتراف به، وأراد تغطيته بعباءة سياسية، حين اتهم أجهزة الأمن،
التي يسهل اتهامها وتصديق الإتهامات بحقّها أياً كانت، لأسباب متعددة
ليس هذا مكان شرحها، بحيث يبرّيء الفاعل نفسه من فعلته الجنائية من
جهة، وفي نفس الوقت يكتسب مكانة حين يصبح الإعتداء عليه على خلفية
سياسية/ حقوقية.
ليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة، التي يحوّل فيها ناشطون في
الحقل السياسي أو الحقوقي، الإتهامات الجنائية التي يقترفونها هم الى
قضايا سياسية أو حقوقية، فهذه وسيلة مثلى للتغطية على الأفعال غير
المقبولة قانوناً أو شرعاً أو عرفاً.
بالطبع، قد تقع بعض المنظمات الحقوقية في خطأ غير مقصود، إمّا بسبب
تسرّعها في الأحكام، كما في قضيّة جعفر إبراهيم أو من سَبَقه في قضيتين
أخريين متشابهتين، أو بسبب الإفتراض أن (أجهزة الأمن) مخطئة دائماً،
واعتبارها عدوّة للإصلاح، وأنها الجهة الأساس التي توجّه لها عادة
الإتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو افتراض يخلو من الحكمة والدقّة،
وبالتالي فإن ما يقوله أيّ أحد صحيح مادام الإتهام متعلّقاً بتلك الأجهزة.
خطورة ردود الفعل أن بعضها لا يدخل ضمن إطار الخطأ غير المقصود،
بل كان هناك تسييساً متعمّداً للقضية حتى بعد انجلاء الحقيقة. ومما
يؤسف له أن إحدى الجهات الحقوقية المحلية أسبغت على إبراهيم، صفة (مدافع
عن حقوق الإنسان) وحرّضت منظمات حقوق دولية على إصدار بيانات متسرّعة
أضرّت بمصداقيتها. هناك الكثير من القضايا التي تهم العاملين الحقوقيين
في البحرين، وقضية جعفر إبراهيم ليست واحدة منها.
وهناك مسائل حقوقية لا لبس فيها بحاجة الى مراقبة ومتابعة وعمل
على الأرض، ولسنا جميعاً بحاجة الى افتعال قضايا تضرّ بمصداقيتنا.
حسن موسى الشفيعي
رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان
|