بناء الثقة: ضمان الإصلاح والإستقرار
قلنا في عدد سابق بأن طرفي الإعتدال والإصلاح في السلطة والمعارضة
يخسران من فورة الشغب والعنف التي ألمّت بالبحرين، لصالح قوى التطرف
والجمود السياسي. ويمكننا الزعم، بأن قوى الإصلاح تلك هي الأقوى في
الدولة بمؤسساتها التنفيذية والتشريعة وفي الشارع. وعليه فإن أي اتفاق
أو تفاهم أو تعزيز للثقة بين قوى الإعتدال والإصلاح يعني تحديداً:
- ترسيخ خيار الإصلاح بشتى أبعاده السياسية والثقافية والقانونية
والإجتماعية والإقتصادية.
- تعزيز بنى الدولة وتأكيد مرجعيتها، والحفاظ على خيارات المواطنين
التي عبروا عنها في الإنتخابات.
- ترسيخ الأمن والإستقرار، ومحاصرة العنف ودعاته، وتأكيد خيار
دولة القانون القادرة على حماية مصالح المواطنين.
لم يكن العنف والشغب ليستشري في الشارع لولا تسلل مشاعر (عدم الثقة)
بين الإصلاحيين في جناحي المعارضة والسلطة. وقد لاحظنا وبوضوح أن مؤشر
التباعد بين الطرفين ينعكس بصورة سلبية لصالح التوجهات العنفية والمشاغبة
التي تريد ممارسة ما تعتقده حقاً لها خارج اطار القانون، وكلما زادت
ممارستها انعكس الأمر على تلك الثقة ليوصلها الى الحضيض.
لم يكن مخطئاً، الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق، حين أكّد
في مقابلاته الصحافية بعيد اطلاق سراح المعتقلين بعفو من الملك والذي
تمّ في 12/4/2009، على أن إعادة الثقة يأتي في مقدمة أولويات نشاطه.
فالثقة بين الحكومة وبين أقوى لاعب سياسي في الساحة يمتلك العدد الأكبر
من النواب في البرلمان، كان ضرورة ماسّة لإعادة الأوضاع الى سابق عهدها.
ولذا بمجرد أن جاء التفاهم بين طرفي الإعتدال والإصلاح، استبشر المواطنون
خيراً، وانطلقوا في مسيرات تحمل صور الملك مرحبة بقراره.
الملك من جانبه، لم يشأ ـ فيما يبدو وكما هي عادته ـ التدخّل بمجرد
أن تنشأ مشكلة، معطياً الفرصة لأجهزة الدولة أن تمارس دورها المنوط
بها، ولكن حين استشرت الأزمة ووصلت الى طريق مسدود، تدخّل وحلّها من
الباب الصحيح.
الحل الصحيح لاستعادة الثقة، يفترض أن يقوم على تأكيد مرجعية القانون
والمؤسسات. فلا يمكن التسامح مع من يخرق القانون حتى وإن كانت مطالبه
عادلة، سواء كان دولة أو مواطنين. القانون لا يمكن احتكاره لطرف دون
آخر. القانون وضع لحماية المواطن وتأكيد حق الدولة ومرجعيتها، ومن
يخرقه إنما يضعف الدولة ويعتدي على حقوق المواطنين.
الشيخ علي سلمان قال بأن الوفاق لن تتسامح مع من يدعو الى العنف،
وأشار الى أن حركته على استعداد للنزول الى الشارع ان تطلب الأمر،
وهذا الأمر لا شك يغيّر من قواعد اللعبة، ويجعل الحكومة كما المعارضة
أمناء على استقرار البلاد وأمن مجتمعها.
والحلّ الصحيح لاستعادة الثقة يكمن أيضاً في مواصلة مسيرة الإصلاح
وتحقيق ما يصبو اليه المواطنون، وحل ما يشكون منه من مشاكل، بعد أن
تمت استعادة قدر معقول من الثقة المطلوبة بعيداً عن التشنّج السياسي.
فعدم الثقة يعطل مسيرة الإصلاح، ويضعف مؤسسات الدولة، ويبقي الجميع
في دائرة الإنحباس في الذات بدل الإنطلاق في آفاق التغيير المستقبلي.
حسن موسى الشفيعي
رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان
|