جهود ولي العهد للخروج من الأزمة
طلب جلالة الملك العام الماضي 2013 من ولي العهد أن يقوم بعملية
تحفيز للحوار الوطني من أجل إخراج البلاد من المأزق السياسي التي هي
فيه منذ أكثر من ثلاث سنوات. محاولات سابقة للحوار لم تأتِ بنتيجة؛
وولي العهد ـ كما يدرك الجميع ـ يعتبر شخصية محبوبة شعبياً ومحترمة
كثيراً من قبل المعارضة وكافة القوى السياسية. ولهذا فإن تصدّيه لموضوع
الحوار أمرٌ مهم لجميع المواطنين، ذلك ان النشاط الإقتصادي كما الاستقرار
الأمني والسياسي، كما الحقوق المدنية والسياسية تتأثّر بالأجواء السلبية
وبغياب حلول للأزمة.
جاء دور ولي العهد من أجل إخراج البلاد من الجمود السياسي، حيث
أن الفرقاء السياسيين لم يستطيعوا عبر (الغَلَبة) أو (سياسة التغالب)
حسم الأمور لصالح أي منهم. وكان هناك رهانٌ ما على تغيّر في الأوضاع
الأقليمية بحيث يفيد هذا الطرف أو ذاك لتحصيل أكبر قدر من التنازلات
على طاولة التفاوض. لكن الوضع الإقليمي انفجر أكثر وأكثر، بحيث لم
يعد يخدم أحداً، وصار يعرّض البحرين نفسها لتداعيات التغييرات العنفية
التي تشهدها منطقتنا.
في المقابل هناك استحقاقات سياسية. فالبرلمان الذي انسحبت منه المعارضة
بواقع 18 عضواً من 40، أضعف تمثيله للمجتمع ـ كما يقول كثيرون؛ كما
أضعف فعاليته في التشريع والرقابة. الآن هناك استحقاق برلماني جديد
أُعلن عنه في سبتمبر الجاري، حيث دعي الى انتخابات جديدة في 22 نوفمبر
القادم، ما حتّم التوصّل الى تفاهمات سياسية وقواسم مشتركة تخرج البلاد
من الواقع غير الطبيعي الذي تعيشه.
ولي العهد، ومنذ العام الماضي التقى بكافة الفئات السياسية، من
جناحي المعارضة والموالاة، وحتى الوجهاء والأعيان. ووفق تلك المشاورات
واللقاءات، أصدر بياناً على شكل رسالة موجهة الى جلالة الملك، أوضح
فيها أنه (تم التوصل إلى قواسم مشتركة لمرئيات الأطراف المشاركة وتم
تسليمها إليهم)؛ وأن باب الحوار بحاجة لاستكمال، حيث (تبين أن ما يمكن
التوافق عليه من قبل جميع الأطراف لاستكمال هذا الحوار، وإمكانية تطبيقه
من خلال القنوات الدستورية. هو كالتالي:
1/ الدوائر الانتخابية: أن تكون الدوائر الانتخابية
أكثر توازناً وتمثيلاً للمواطنين. وتعزيز وتأكيد استقلالية اللجنة
العليا للإنتخابات.
2/ السلطة التشريعية: تعيين أعضاء مجلس الشورى سيكون
وفقاً للإجراءات والضوابط والطريقة التي تحدّد بأمر ملكي. وأن يتم
وضع ضمانات لعدم تعطيل العملية التشريعية من حيث الإرادة التشريعية
أو الفترة الزمنية. [وهناك] إمكانية توجيه السؤال لرئيس الوزراء ونوابه
ومساءلة من يحمل حقيبة وزارية.
3/ تشكيل الحكومة: يكلف جلالة الملك رئيس وزراء بتشكيل
الحكومة بعد إجراء المشاورات التقليدية حول الوزارات غير السيادية.
ويجري رئيس الوزراء المكلّف مشاوراته لتشكيل الحكومة، ويعرض برنامج
الحكومة على مجلس النواب لنيل الثقة، ويكون تشكيل الحكومة شاملاً للوزارات
السيادية الأربع.
يشترط لنيل برنامج الحكومة ثقة مجلس النواب:
أ/ موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب على برنامج الحكومة
في المرة الأولى.
ب/ إذا لم يحز البرنامج على ثقة مجلس النواب، يقوم
رئيس الوزراء المكلف بتعديله بعد التشاور، ويعيد تقديمه للمرة الثانية،
ويشترط لرفض التعديلات أغلبية أعضاء المجلس.
ج/ إذا رفض مجلس النواب بأغلبية أعضائه برنامج الحكومة
بعد إجراء التعديلات عليه، يقوم رئيس الوزراء المكلف بتعديله مرة أخرى
بعد التشاور، ويعيد تقديمه للمرة الثالثة. وإذا تمّ رفضه عُدّ مجلس
النواب منحلاً، وتستمرّ الحكومة القائمة في تسيير أمور الدولة لحين
انتخاب مجلس جديد وفقا لأحكام المادة (64) من الدستور.
4/ السلطة القضائية: الاستعانة بخبرات دولية لتطوير
السلطة القضائية بما يواكب أفضل الممارسات العالمية. والاستمرار في
تعزيز استقلالية القضاء في اطار الدستور والقوانين المعمول بها.
5/ الأمن للجميع: إن الأمن مسئولية الجميع، ويتعيّن
على الكافة إحترام القوانين السارية في المملكة، ونبذ العنف، والوقوف
صفاً واحداً ضد الإرهاب والتخريب. كما أن للمؤسسات العسكرية ضوابط
صارمة لإعمال الشروط الواجب توافرها والتي حددها القانون في كل من
يلتحق أو يستمر بالخدمة فيها، والتي من أهمها ضرورة الإمتناع عن العمل
بالسياسة، واحترام الانضباط العسكري والتقاليد والأعراف العسكرية،
للحفاظ على كرامة ومكانة شرف الخدمة العسكرية).
من جانبه، فقد ردّ جلالة الملك على خطاب ولي العهد مؤكداً على قدرة
الشعب على الإنطلاق نحو مستقبل واعد؛ كما شدّد على الثوابت الوطنية
(وقواعد مسيرتنا الديمقراطية) وعلى المشتركات التي (جَمَعَتْ ولا زالتْ
تَجْمَعُ أبناءِ شعبنا، وإنْ تَعَدَّدَتْ مَشَارِبُهُم وتَنَوَّعَتْ
رُؤَاهُم)، اضافة الى المحافظة على ما تتميّز به البحرين من تعددية،
وعلى التوافق الوطني الشامل الذي عبّر عنه ميثاق العمل الوطني؛ موضحاً
أهمية التوافق الوطني والتعديلات الدستورية التي صدرت مؤخراً، اضافة
الى المراسيم والقوانين المتعلّقة بتطوير البنية السياسية والتشريعية.
وعبر جلالة الملك عن ثقته بالنجاح وتجاوز المرحلة الراهنة، مجدداً
ثقته بكافة أطياف الشعب (وإن الإستحقاق الإنتخابي القادم، واختيار
الشعب لممثليه في المجلس التشريعي؛ سيكون مرحلة جديدة من مراحل العمل
الوطني) بحيث (يمكن تنفيذ هذه القواسم المشتركة، وعرض ما يتطلّب منها
على السلطة التشريعية ممثلة بمجلسي الشورى والنواب).
وأبدى الملك حرصه على (حفظ النسيج الاجتماعي، ومكتسبات الوطن، والمشاركة
الفاعلة في المسيرة الديمقراطية، والعمل على استمرارها وتطورها) والحفاظ
على الوحدة الوطنية ونبذ جميع نزعات التفرقة والتعصب؛ مؤكداً على أهمية
(تقريب وجهات النظر، وصولاً إلى قواسم مشتركةٍ تجمع بين شركاء الوطن
وأبنائه المخلصين).
رسالة ولي العهد العلنية للملك كانت أمراً مقصوداً. وهنا لنا بعض
الملاحظات:
إن النقاط التي عرضها ولي العهد لاتزال قيد الحوار مع الأطراف السياسية،
فهي تحدد مواطن النقاش وربما الإختلاف، ولكنها لا تعرض الحلول بصورة
كاملة وهو أمرٌ مقصود طالما الحوار قائماً. أي اننا بإزاء العناوين
العامة التي يدور تحت سقفها النقاش. وبالتالي فإن هناك جزءً كبيراً
من التفاصيل تنتظر الكشف في حال قررت المعارضة الدخول في العملية السياسية،
وحل الأزمة عبر بوابة الإنتخابات.
وتلبّي رسالة ولي العهد العديد من مطالب المعارضة، مع عدم معرفتنا
بالتفاصيل في بعضها، فالدوائر الإنتخابية قد تمّ تعديلها، فصارت أكثر
توازناً بالقياس الى الماضي. والسلطة التشريعية تريد المعارضة حصرها
في مجلس النواب، وبالتالي تقييد صلاحيات مجلس الشورى المعيّن؛ كما
تطالب بمشاورة كل القوى السياسية فيمن يتم تعيينهم كأعضاء للشورى.
ولكن لم تأتِ رسالة ولي العهد صراحة على التفصيل، ولا نعلم ما يدور
بين الأطراف السياسية من نقاش. لكن كان هناك نص واضح في المقابل يطالب
بعدم استخدام المعارضة وسيلة التعطيل للبرلمان عبر الإنسحابات مثلاً
او غيرها؛ وقد زيدت أيضاً صلاحيات مجلس النواب والتي من بينها مساءلة
رئيس الوزراء ونوابه وغيرهم، وهو ما كانت المعارضة تطالب به، أو ربما
بأكثر منه.
وألمحت رسالة ولي العهد الى أن هناك دوراً ما للقوى السياسية بما
فيها المعارضة ـ في حال شاركت في الإنتخابات البرلمانية ـ في تشكيل
الوزارة من خلال مجلس النواب الذي يفترض ان تنال ثقته، كما سيكون لها
دور في الموافقة على برنامج الحكومة، وربما هناك ما هو أكثر من ذلك.
وفي موضوع السلطة القضائية، كمادّة حواريّة، هناك حاجة الى تعزيز استقلال
القضاء، يعالج النواقص التي تقول بوجودها المعارضة. وأخيراً في موضوع
الأمن، هناك موافقة على أن يتمثل في الجهاز الأمني جميع فئات المجتمع،
مع إبقاء الضوابط المعروفة في العناصر التي تنتمي اليه.
وفي كل الأحوال، فإن كسر الجمود السياسي، وإنهاء حالة الشقاق السياسي
والإجتماعي والإضطراب الأمني ضرورة للبحرين بكافة سكانها، خاصة في
الظروف العصيبة التي تشهدها المنطقة. نعلم أن التنازلات صعبة بالنسبة
لكل الفرقاء السياسيين، ولكنها ضرورة ملحّة، لإخراج البحرين من عنق
الزجاجة.
المعارضة مطالبة ـ من وجهة نظرنا ـ بأن تشارك في الإنتخابات القادمة،
ليس عبر الإلتفاف بتزكية عناصر من خارجها، وإنما بعناصرها أنفسهم.
فحضورها ضروري لإنهاء الأزمة، وضروري لتفعيل البرلمان؛ كما هو ضروري
لتعزيز الثقة، وتطبيع الإستقرار الأمني والسياسي. وأما المشاركة (عن
بعد بالتزكية) فلا يحلّ أيّ من المشكلات الأساسية.
المطلوب التنازل من الطرفين السياسيين، وكلّنا أمل بأن تجري الإنتخابات
بمشاركة الجميع، فتكون فاتحة خير وبداية انطلاق نحو المستقبل، بدلاً
من الإنحصار في الماضي.
|