إستياء من نتائج زيارة هيومن رايتس ووتش
أثارت زيارة وفد منظمة هيومن رايتس الى البحرين أواخر فبراير الماضي،
واصدارها بيان صحفي ختامي من منصّة (الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان)..
ردود أفعال كثيرة على المستويات الرسمية والصحفية والبرلمانية وجمعيات
أهلية. البيان كان صادماً لكثيرين سواء من حيث محتواه، أو اللغة التي
تبناها، فكانت بعض ردود الفعل مذيلة بخيبة الأمل وبأشدّ العبارات الناقدة
والحادّة والمهددة بعدم التعاون معها. ماذا قالت هيومن رايتس ووتش،
حتى تسبّب هذا الإستياء الكبير، الى حدّ التهديد بمنع المنظمة من زيارة
البحرين، بل وجميع المنظمات الدولية الحقوقية الأخرى، والى حدّ الدعوة
الى محاسبة مسؤولين او وزراء وافقوا على زيارة الوفد الحقوقي.
بيان هيومن رايتس ووتش
في 28 فبراير الماضي أصدرت المنظمة بيانها الصحفي لزيارة ثلاثة
من مندوبيها للبحرين استمرت خمسة أيام، أتيحت لهم خلالها حرية واسعة
فى التحرك والإلتقاء بمن شاءوا من المسئولين وناشطي المجتمع المدني
وبعض المسجونين في سجن جو. البيان كان لاذعا في إنتقاده لما إعتبره
إخفاقاً بحرينياً في الوفاء بالإلتزام بمعالجة بعض الجوانب المتعلقة
بإنتهاكات حقوق الإنسان. مجمل النقد يدور حول:
ـ عدم اتخاذ خطوات بشأن المساءلة عن الإنتهاكات في مستوى المسؤولين.
ـ صدور أحكام بالسجن مدى الحياة على سبعة من السجناء، وطالبت المنظمة
بإصدار عفو عام فيما يتعلق بكافة الأحكام الجنائية على جميع من أيدت
محمكة التمييز العقوبات الصادرة بحقهم.
ـ توجيه النقد لمشروع قانون الجمعيات الأهلية، وكذلك توجيه نقد
حاد وبالإسم لوزيرة التنمية الإجتماعية بالقول: (تحاول فاطمة البلوشي
الدفع بقانون جديد، تم تصميمه لإعاقة مؤسسات المجتمع المدني المُستقلة.
وكما لو أن صلاحياتها السلطوية وفق قانون الجمعيات الأهلية الحالي
ليست من السوء بما يكفي.. تقدمت بقانون يمنحها سيطرة مطلقة وتعسفية
على الجمعيات المُشهرة بشكل قانوني).
ـ الإستخدام المفرط وغير القانوني ـ حسب البيان ـ لقنابل الغاز
المسيل للدموع في مواجهة الاحتجاجات.
ـ اعتقال الناشطين الحقوقيين، واعتبار السلطات ما يقومون به من
أنشطة (تدخل ضمن حرية التعبير بحسب المنظمة).. تحريضاً على العنف.
ويبدو أن اعتراض السلطات في البحرين على البيان ليس في محتواه العام
بالضرورة وإنما على أمرين أساسيين:
الأول ـ أن البيان لم يذكر أية جوانب ايجابية في ملف حقوق الإنسان،
والجهود التي تبذلها الحكومة في سبيل ذلك. مع ملاحظة ان البيان أشار
الى تعاون وزارة حقوق الإنسان في تسهيل زيارة وفد المنظمة الى البحرين،
وكذلك أشار الى (إن السلطات البحرينية قد سهلت اجتماعات مع المسؤولين
الحكوميين اتسمت بالصراحة والصدق).
الثاني ـ هو أن لغة الخطاب قُرأت بأنها لغة حادّة وتهكميّة وإجمالية
لا تميل الى العلمية. ويضرب في هذا المجال مثالين: الأول، ما ذكره
البيان بأن (كل ما يُقال عن الحوار الوطني والإصلاح ليس له قيمة طالما
استمر حبس أبرز النُشطاء السياسيين والحقوقين في البلاد دون وجه حق).
ومن التهكّم: (إذا اعتبر المسؤولون البحرينيون أن أحد النشطاء يُحرض
على العنف عن طريق نشر صورة على تويتر، إذن فإن ما حضروه من دورات
تدريبية حول حقوق الإنسان قد ضاع هباءً).
الموقف الرسمي
وزارة الداخلية أصدرت بياناً قالت فيه أن بيان هيومن رايتس ووتش
متناقض و(احتوى على عدة أخطاء تتعلق بحقائق أهمها النقل غير الصحيح
لتصريحات المسئولين بالوزارة، وتجاهل الإصلاحات المهمة التي قامت بها).
وأشارت الى أن الوفد الحقوقي (حرص على قضاء معظم فترة الاجتماع مع
المسئولين بوزارة الداخلية في تقديم ملاحظات اتسمت بالاستفزاز وتوجيه
الاتهامات، في حين تعمد الوفد تجاهل جميع المعلومات التي قدمها كبار
المسئولين بالوزارة). واعتبرت الداخلية أن ما ورد في بيان المنظمة
بشأن غياب مساءلة المسؤولين عن التجاوزات (أمر عار تماماً عن الصحة)
وأن (الواقع أيضا يؤكد كذب ادعاء المنظمة بعدم محاسبة القادة والمسئولين
حيث قامت وزارة الداخلية بعمل تحقيقات داخلية). ورفضت الوزارة ما يتعلق
بالاتهامات الموجهة لها بالإفراط في استخدام القوة، وبأنها لا تفعل
شيئاً لتنفيذ الإصلاحات، ليخلص بيان الداخلية الى أنها شعرت (بخيبة
أمل من التصريحات التي صدرت بهذا الشأن، والمليئة بالاتهامات غير الحقيقية
والتي توحي بان ممثلي المنظمة قد اتخذوا موقفهم وبنوا قراراتهم قبل
المجيء إلى البحرين، وهذا ما يتنافى مع ضرورة توافر الحيادية لمثل
تلك المنظمة).
أما وزارة حقوق الإنسان فأبدت استغرابها من البيان لأنه (يتضمن
معلومات بعيدة عن الصحة ومجافية للواقع وفيه تحامل شديد، بالرغم من
التسهيلات والإجراءات الإيجابية التي تم تقديمها... مما يوحي بوجود
نية مبيته لدى المنظمة تجاه المملكة).
واعتبرت الوزارة أن المنظمة (ردت كل هذا الجميل بالنكران) وتساءلت
(حول المنهجية والأجندة التي تحملها هذه المنظمة تجاه مملكة البحرين).
وأسفت الوزارة لما أسمته بمغالطات المنظمة الدولية، وتجاهلها (كل الحقائق
والإنجازات التي تمت على أرض الواقع). وفي حين أكدت الوزارة على مبدأ
التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية، اتهمت في تعليقها (بعض المنظمات
الدولية) بأنها تتبنى (معلومات وتقارير مغلوطة أو منحازة أو غير موثقة).
وختمت تعليقها مهددة: (..سيعاد النظر في التعامل مع أي منظمة حقوقية
ذات نظرة أحادية أو مضللة للرأي العام أو تحمل أجندة ذات أبعاد سياسية
أو تسعى لخدمة مموليها).
أما وزارة التنمية الإجتماعية فقالت في ردها على بيان هيومن رايتس
ووتش، بأنها لا تفهم دوافع المنظمة من ذلك البيان المليء بالإتهامات،
والإنحياز والخداع، وأضافت بأنها (تفاجأت عندما رأت التقرير وقد صدر
مناقضا لما تم مناقشته مع مسؤولي الوزارة. وفوق ذلك فإن الفقرات المشار
إليها استخدمت لغة لا تتوافق مع مكانة منظمة حقوقية)، مؤملة ان تغير
هيومن رايتس ووتش سلوكها المستقبلي قبل اصدار أي بيان (بعيدا عن التحيز
والشخصنة). أما د. فاطمة البلوشي، وزيرة التنمية الإجتماعية، فقالت
في تصريح نشرته وكالة انباء البحرين (7/3/2013) بأنها ومسؤولي الوزارة
تعرضوا لتهديد وفد المنظمة وذلك (بنشر أسمائهم بصورة سلبية قد تشوه
سمعتنا حول العالم).
كرة الثلج تكبر
ردود الأفعال تصاعدت ضد هيومن رايتس ووتش. فأمين عام تجمّع الوحدة
الوطنية عبدالله الحويحي رآها منظمة (مسيسة وليست حقوقية وتحمل أجندات
لخدمة مصالح دول) وأن (التقرير الذي أصدرته لا يعنينا في شيء). وأمين
عام جمعية ميثاق العمل الوطني محمد البوعينين كرر نفس الإتهامات وطالب
الحكومة (بعدم السماح لتلك المنظمات بدخول البحرين)، ووصفها بالمشبوهة
وغير الحيادية. أما فريد غازي، عضو المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان
فاعتبر بيان هيومن رايتس ووتش (مخيبا للآمال) وأنه (ابتعد عن الحيادية
والمهنية تماماً). في حين وصف رئيس جمعية مبادئ حقوق الإنسان عبدالله
الدوسري بيان المنظمة بأنه (متدني المستوى).
على صعيد البرلمان، وصف النائب عبدالله بن حويل بيان المنظمة بأنه
(منفصل عن الواقع، ومكدس بالمغالطات والأكاذيب وتزييف الحقائق، ويؤكد
النوايا الدفينة لهذه المنظمة المسيسة بامتياز) مشيراً أن هدفها (ابتزاز
الدول والمساعدة في قلب أنظمتها الحاكمة، وإحداث القلاقل بها، والفتن
السياسية والعرقية). ورأى بأن ايران والصهيونية اخترقتا المنظمات الحقوقية
الدولية (الأمر الذي يلزم الحكومة البحرينية بعدم التعاون معها مستقبلاً،
ومنع دخول وفودها تحت أي ذريعة، خاصة أنها ماضية بأجنداتها المشبوهة،
ولديها خارطة عمل واضحة، تخدم دولاً وطوائف بعينها).
مجلس الشورى أصدر بياناً عبر فيه عن أسفه من بيان هيومن رايتس ووتش،
ووصفه بأنه يفتقد المصداقية والمهنية، معربا عن استغرابه لما ورد فيه
من معلومات (بعيدة عن الصحة، تتضمن تحاملاً ضد المملكة، وتحيزاً غير
مبرر). واعتبر النائب حسن بوخماس البيان (تدخلاً سياسياً بطريقة غير
مباشرة، ويؤدي الى نتائج خطيرة للغاية). وطالب بعدم فتح الأبواب للمنظمات
الحقوقية ووسائل الإعلام (لكي تأتي إلى البحرين وتتحدث بطريقة سلبية
عنا ثم ترحل). كما انتقد النائب محمد العمادي البيان (فاقد المهنية
والذي استمع الى جانب واحد فقط).
وفي ذات الإتجاه طالبت جمعية الصف الإسلامية بمنع المنظمات الحقوقية
الدولية (البغيضة) و (المخادعة) من دخول البحرين لما تقوم به من تشويه
لسمعتها بتقاريرها المزوّرة والتدخل في الشؤون الداخلية. وزادت: (علينا
محاربة مثل هذه المنظمات المسيسة بكل قوة وفضحها). أما رئيس جمعية
كرامة، أحمد المالكي، فقال بأن (السماح للمنظمة بزيارة البحرين لم
يكن خيارا موفقا).
مواقف إعلامية
كتاب أعمدة كثيرون ابدوا استياءهم من بيان هيومن رايتس ووتش، وطالبوا
بمعاقبتها ومنعها ـ الى جانب المنظمات الحقوقية الأخرى ـ من دخول البحرين،
وبمحاسبة الوزارات المسؤولة.
سيد عبدالقادر كتب في 3/3/2013: (ما فائدة أن تفتح الأبواب لمنظمات
تدعي أنها تتحدث عن حقوق الإنسان، وتقدم لها كل المعلومات وتتيح لها
زيارة السجون والالتقاء بكل من تريد، ثم تخرج لتنشر تقارير كاذبة وملفقة،
كتبت سلفا قبل الزيارة؟ ما فائدة أن تتعامل باحترام مع أناس غير محترمين،
يزورون الحقائق، ويصبون الزيت على النار، ولا يريدون إلا الفتن في
كل بلد يزورونها؟ هذه المنظمات لا تريد إلا الفتنة، فأغلقوا الأبواب
في وجوههم واتركوهم ينبحون دون أن تعيروهم أدنى احترام).
فوزية رشيد كتبت في 3/3/2013 مقالاً تحت عنوان: (متى تضع البحرين
حدا للمنظمات الدولية المسيسة؟) قالت فيه: (إذا كانت الدولة تعرف جيدا
ماهية هذه المنظمة وغيرها من منظمات... فلماذا تواصل السماح لها بالدخول؟!
ولماذا تعطيها شرعية ومصداقية القول حين يستقبل وجوهها بعض المسئولين؟!
ولماذا لا تؤخذ هذه المنظمات باعتبارها أذرع التدخل الخارجي، كما هي
في الحقيقة؟).
وعلق إبراهيم الشيخ في 4/3/2013 على الأمر بالتالي: (يحقّ للشعب
البحريني أن يسأل عن صاحب قرار السّماح بزيارة المنظّمة للمملكة).
وجمال زويد كتب في ذات اليوم: (هل هنالك ما يلزم الدول بأن تفتح ذراعيها
وأراضيها لكل من هَبَّ ودَبَّ من تلك المنظمات)؟. وتحت عنوان: (انها
واجهات استخباراتية وليست منظمات حقوقية) كتب عبدالمنعم ابراهيم في
5/3/2013 مقالا جاء فيه: (هذه المنظمات ليست محايدة ولا منصفة للشعوب
ولا للحكومات.. إنها مجرد واجهات لأجهزة استخباراتية دولية.. أي ان
اعضاءها جواسيس وليسوا حقوقيين) وسخر من دعوتهم لزيارة البحرين: (أدخلنا
اللص بيوتنا ثم نشكو السرقة!).
محمد مبارك جمعة كتب في 7/3/2013 منتقداً أداء وزارة حقوق الإنسان
وحملها المسؤولية السياسية والادارية لدعوتها الوفد الحقوقي؛ ويوسف
البنخليل رأى (3/3/2013) أن الحكومة البحرينية منحت الوفد (المصداقية
المفقودة عندما سمحت له بالدخول إلى أراضي البحرين، وزيارة بعض المؤسسات
والشخصيات)، وطالب برفض دخول وفود المنظمات الحقوقية على أساس (رفض
المساس بسيادة الدولة). وفي 5/3/2013 انتقد السفير الأميركي في البحرين
لأن لديه (حماس مبالغ فيه لإدخال وفد منظمة هيومن رايتس ووتش للمنامة،
حيث بذل السفير جهوده لإقناع المسؤولين بضرورة التعاطي مع هذه المنظمة).
وتساءل هشام الزياني (4/3/2013): (من الذي أدخل هيومن رايتس ووتش
إلى البحرين؟ هل هو وزير حقوق الإنسان؟ إذا كان الوزير صلاح علي، فإن
هذا أمر يجب أن يحاسب عليه الوزير، ولا يكفي أن يقول الآن بعد صدور
التقرير، إننا سنعيد التفكير في السماح لبعض المنظمات غير الحيادية
بالدخول). أما نجاة المضحكي (9/3/2013) فقدمت نصيحتها كالتالي: (كلما
فتحت الأبواب لهذه المنظمات، كلما زاد تعنتها).
منظمة هيومن رايتس ووتش ردت على وزارتي الداخلية والتنمية الإجتماعية
بأن قالت أن الإدعاءات الواردة في التصريحات الرسمية (لا أساس لها
من الصحة)، وعبرت المنظمة عن تقديرها لتعاون وزارة الداخلية وتسهيلها
عقد اجتماعات من السجناء السياسيين. وقالت المنظمة بأنها لم تكن راضية
الى حد كبير عن ردود مسؤولي وزارة التنمية على الأسئلة التي أثيرت
حول مشروع قانون الجمعيات، وأوضحت أنهم كانوا غير راغبين في مناقشة
هذا الموضوع.
لكن هيومن رايتس ووتش أملت ـ من جهة أخرى ـ مواصلة التعاون مع الحكومة
البحرينية و(أن تستأنف البحرين قريباً سياستها السابقة التي توقفت
في العام 2011، وذلك بالسماح لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين دخول
البلاد ومراقبة تطورات حقوق الإنسان، بما في ذلك الحصول على وجهة نظر
المسئولين وغيرهم، عن التقدم المحرز في تحقيق الالتزامات المتعلقة
بحقوق الإنسان).
|