ماذا بعد (حادثة الصفعة)؟
هزّت حادثة صفع المواطن حيدر عبدالرسول ـ وهو يحمل طفله ـ من قبل
أحد رجال الشرطة في منطقة عالي (23/12/2012) ـ وذلك بعد انتشارها على
اليوتيوب ـ الرأي العام المحلّي والدولي، وخاصة المنظمات الحقوقية
الدولية، التي وجدت في الفعل استهانة بالكرامة الإنسانية، وتصرّفاً
غير مبرر من الناحية الأمنية والأخلاقية، وأنه يحمل صفة العدوان والتعدّي،
ما ادّى الى انتشار مقطع الفيديو في فضائيات العربية والأجنبية.
وبديهي أن هذا الفعل غير المقبول قدّم صورة بالغة السوء عن المؤسسة
الأمنية بل عن البحرين بكل مؤسساتها وشعبها. لقد كانت (صفعة) بوجه
كل بحريني، وكل مسؤول، وصفعة في وجه العدالة والكرامة الإنسانية، ما
دفع بالمسؤولين للتحرك الفوري لإيقاف المعتدي في اليوم التالي على
الفور، وإحالته الى المحكمة العسكرية، حسب الوكيل المساعد للشؤون القانونية
بوزارة الداخلية، الذي أكد أن مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تكون مقبولة
من رجل شرطة، وأن هناك تحقيقاً قانونيّاً قد بدأ بالفعل في هذه الواقعة.
من جهته، أكد وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بأن
(مقاطع الفيديو التي تم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمتضمنة
تجاوزات لبعض رجال الأمن، تعد قضايا تمس الكرامة والإنسانية، وتسبب
حرجاً لكل رجل أمن يؤدي عمله بأمانة وإخلاص، وأنها لا تعكس النهج الانضباطي
الذي نسعى دوما إلى تعزيزه والالتزام به، كما تسيء إلى الدور الحقيقي
لرجال الأمن). واضاف بأنه قد وجه إلى تشكيل لجنة برئاسة رئيس الأمن
العام لحصر هذه التجاوزات ودراستها وتحديد سبل معالجتها.
أما طارق الحسن، رئيس الأمن العام، فقد قال بأنه (لا يختلف اثنان
على أن مثل هذا التصرف لا يمكن قبوله تحت أي مبرر، وخصوصاً عندما يصدر
عن شرطي، وهو مخالف للقانون ومدان).
الضحية قال في تصريحات صحفية بأنه تعرف على رجل الأمن الذي صفعه،
ولكن هناك شرطي آخر اعتدى عليه وشتمه دون ان يظهر في الفيديو، وأضاف
بأنه التقى محافظ الوسطى مبارك الفاضل والذي أكد له (إن حقّك ستأخذه
والقضاء يأخذ مجراه). وعلى صعيد آخر، أوضحت المحامية ميرفت جناحي بأن
(الفيديو يظهر أن حيدر لم يقم بأي حركة تثير أحدا، والفيديو واضح ولا
يحتاج إلى شهود وهو شخص مسالم جداً).
تجدر الإشارة الى أن المسؤولين الأمنيين قد اعتمدوا مدونة سلوك
لرجال الشرطة والأمن، حسب توصيات بسيوني، كما أقيمت العديد من ورش
التدريب في جهاز الشرطة لتحسين أداء أعضائه، وتعريفهم بحقوق الإنسان.
لكن الحادث الذي جرى، يثبت أن مثل هذه التجاوزات يمكن أن تحدث، ويفترض
في هذه الحالة أن تكون هناك معالجة سريعة لها، واتخاذ إجراءات قانونية
حاسمة بشأنها، تردع المتجاوزين، وتمنع توسّع الشقّة بين جهاز الشرطة
وأجهزة الأمن عامة من جهة، وبين المواطنين من جهة أخرى.
الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية بشأن الشرطي المعتدي كانت
سريعة، وهو أمرٌ محمود. ولقد أوضح وزير الداخلية ان هناك تجاوزات يفترض
ان تُحصر وتدرس، وهذا مهم، لأن شيوع مثل هذا النوع من التجاوزات، يسبب
نقمة ليس فقط على جهاز الأمن، وإنما له تأثيراته على الوضع الأمني
عامة، خاصة اذا ادركنا الحالة العاطفية التي تنشأ من مشاهدة هكذا صور
على شاشات التلفزة، او على مواقع التواصل الإجتماعي.
وهناك سبب آخر يدفع لمحاصرة هذه التصرفات والتأكيد على الإلتزام
الدقيق بـ (مسودة السلوك) وهو أن لها تأثيرات سلبيّة للغاية على سمعة
البحرين بين الدول وبين المنظمات الحقوقية الدولية، في وقت تسعى فيه
الأجهزة الرسمية الى استعادة سمعتها، والقيام بإصلاحات ملموسة على
الأرض.
بديهي أن مثل هذه التصرفات تشكل مادة دسمة تستخدم في الصراعات السياسية
القائمة، وتأجيج المشاعر الفئوية، وقد رأينا استثماراً سياسياً للحدث
على ضفتي الموالاة والمعارضة. والمهم هنا، هو تجنّب وقوع التجاوزات
والحرص على تطبيق القانون بصرامة حال وقوعها، حتى لا تكون عاملاً إضافياً
يزيد من الشروخ السياسية والإجتماعية.
|