التعويضات بعد الأزمات

أهميتها فى خلق الاستقرار ودعم المصالحة الوطنية

البروفيسور عز الدين الطيب آدم

البروفيسور عز الدين الطيب آدم

عميد كلية القانون بجامعة النيلين ـ السودان

طرحت في البحرين فكرة تعويض ضحايا الأحداث منذ أعلن الملك تأسيس صندوق تعويض المتضررين وفق مرسوم ملكي رقم 30 صادر في 22/9/2011؛ تلاه إصدار مرسوم ملكي آخر رقم (13) لسنة 2012 بشأن نظام عمل الصندوق. وقد تمّ تفعيل عمل الصندوق الشهر الماضي، وبديء بصرف مبالغ نقدية كتعويضات للمتضررين. المقالة التالية، تسلّط الضوء على مفهوم التعويضات في القانون الدولي، ومن وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان، وتوضح أهمية التعويضات في معالجة المشاكل التي تخلفها الأزمات.

يجسّد مفهوم التعويضات بعد الأزمات فكرة الترابط القائم بين التنمية والأمن وحقوق الإنسان، من خلال إزالة أثار الدمار والخراب التي خلفتها الحروب بين الدول، والنزاعات الأهلية التي اتسعت أنواعها وسميت بأسماء متعددة (حروب الموارد - الهوية – التحرير – تقرير المصير)، وقد اتسمت جميعها بالعنف والوحشية وإلحاق الدمار بمؤسسات الدولة والمجتمع معا، الى حد القضاء أحياناً على مقومات الدولة وبنياتها التحتية.

مفهوم التعويضات في القانون:

هو التزام يفرضه القانون الدولي أو الوطني بوصفه أثر لتحقق المسئولية الدولية أو المسئولية المدنية أو الجنائية في إطار القوانين الوطنية. ونتيجة لانتهاك الشخص القانوني الالتزام الذي يفرضه عليه القانون، فهو بهذا الوصف التزام تبعي، ونتيجة لارتكاب العمل غير المشروع. وعليه إذا ما ثبت ذلك، فان الطرف المتضرر يكون مخولاً في مواجهة مرتكب العمل غير المشروع بالحصول على التعويضات بما يؤدى إلى إصلاح ما لحقه من أضرار بطريقة كافية.

وقد يتخذ جبر الضرر في التعويضات شكل الإعادة العينية، وذلك عن طريق إعادة الحال إلى مما كان علية قبل حدوث العمل غير المشروع، ويطلق عليه (التعويض العيني)؛ وقد يكون التعويض على شكل مبلغ نقدي عندما تكون الإعادة العينية غير ممكنة أو مستحيلة، أو أنها لا تغطي كامل الضرر، ويسمى ذلك بـ (التعويض المالي)؛ وقد يتخذ التعويض أحيانا شكل الترضية أو الاعتذار الذي يقدّمه الشخص المسئول عن العمل غير المشروع للمتضرر. وأخيراً قد يقدم التعويض في شكل ضمانات بعدم تكرار هذا العمل مستقبلاً.

مفهوم التعويضات في المنظمات الدولية:

تناولت المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، تعريفاً خاصاً للتعويضات التي تهتم بحقوق الإنسان وقضايا التعويضات الكاملة، وفي هذا الشأن فقد أوضحت منظمة العفو الدولية مدلول التعويضات الكاملة بقولها: (أن حق الحصول على تعويضات كاملة وفعالة هو حق أصيل لجميع ضحايا جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان، وجرائم التعذيب، وحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، وحالات الإخفاء القسري).

وتؤكد امنستي على مدى أهمية التعويضات بوصفها وسيلة هامة وضرورية لمعالجة وإزالة آثار معاناة الضحايا الناجمة عن تلكم الجرائم الفظيعة، وذلك لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم ونسيان آثارها النفسية، من أجل اندماجهم مرة أخرى في المجتمع.

تصنيف العفو الدولية للتعويضات:

1/ حالة رد الوضع إلى نصابه: يقصد بها مجموعة الاجراءات الرامية الي استعاده الضحية إلى الوضع الطبيعي الأصلي الذي كان عليه قبل وقوع الجريمة، بما في ذلك استعادة حريته أولاً، ومن ثم عودته إلى مكان إقامته الأصلي أو إلى الوظيفة التي كان يشغلها، بجانب استعادة الممتلكات التي انتزعت منه أو تم اتلافها.

2/ التعويض المادي: وهو عبارة عن منحة مالية تقدم كتعويض عن الأضرار التي يمكن تقديرها اقتصادياً مثل الضرر البدني أو العقلي، بجانب فقدان الفرص في التعليم، والتوظيف، والمزايا الاجتماعية الأخرى، وفقدان الدخل. أما الأضرار المعنوية فتشمل المساس بكرامة الإنسان وسمعته وعرضه.

3/ إعادة التأهيل: يقصد به تقديم الرعاية الطبية والنفسية بجانب الخدمات القانونية والاجتماعية الاخرى.

4/ الترضية: ويقصد بها تقديم الاعتذار العلني لضحايا النزاعات وإحياء ذكراهم، والبحث عن أماكن الأشخاص المختطفين، وتحديد أماكن جثث الضحايا الذين قتلوا.

5/ ضمانات بعدم تكرار الجرائم: وهي مجموعة من الإجراءات القانونية الرامية إلى تقديم الضمانات بعدم تكرار الجرائم او بعدم تعرض الضحايا لجرائم أخرى. ومن بين هذه الإجراءات:

• تعزيز استقلال السلطات القضائية.

• تدريب الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون من أفراد الشرطة والجيش أو قوات الأمن على قضايا حقوق الإنسان.

• إصلاح القوانين التي ساهمت في وقوع الجرائم أو سمحت بوقوعها لتكون متوافقة مع المعايير الدولية في استقلال السلطة القضائية واحترام المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

الطبيعة القانونية للتعويضات:

أكد الفقه والقضاء الدوليان على الطبيعة القانونية للتعويضات من خلال قرارات التحكيم وأحكام المحاكم الدولية؛ حيث أكد الفقيه الانجليزي Oppenheim على أن: (الآثار القانونية الأساسية لانتهاك القانون الدولي هى التعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي حدث). بمعنى أخر، هو التزام قانوني يقع على عاتق الدولة التى تتحمل المسئولية الدولية بسبب انتهاكها لالتزام دولي بالتعويض عن الضرر الذي تسببت في وقوعه.

وفي هذا الاتجاه ذهبت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في أحد أحكامها الشهيرة عام 1927، الى (أن انتهاك الدولة لالتزاماتها يترتب عليها التزاماً بإصلاح الضرر بصورة كافية).

المبادئ العامة في تحديد وتقدير التعويضات:

أرست المحكمة الدائمة للعدل الدولي آنفة الذكر المبادئ العامة التي يمكن الاستشهاد بها فى تقدير وتحديد التعويض الواجب أداؤه بسبب الإخلال بالقانون الدولي، وذلك عندما ذكرت: (أن المبدأ الرئيسي الذي تقوم علية نظرية العمل غير المشروع هو ذلك المبدأ الذي استقر وسار عليه العمل الدولي في قرارات التحكيم الدولية بأن التعويض يلزم متى ما كان ذلك ممكنا بإعادة الحال الى ما كان عليه قبل ارتكاب العمل غير المشروع ويسمى بالتعويض العيني، خاصة في الممتلكات والخسائر الاقتصادية. وعندما تكون الإعادة غير ممكنة او انها لا تغطى كامل ال?رر يكون التعويض نقدياً، وهو ما يطلق عليه: بالتعويض المادي. وقد يكون التعويض معنوياً في شكل ترضية أو اعتذار يقدمه الشخص المسئول عن العمل غير المشروع إلى الشخص المتضرر).

ويلاحظ دائما أن الضرر سواء كان ماديا أو معنويا في الخسائر البشرية يمكن تعويضه مالياً.

من جهة أخرى، وفيما يتعلق بمشروع قانون المسؤولية الدولية، أوضح Arangio Ruiz، المقرر الخاص للجنة القانون الدولي بأن التعويضات والترضيات: (لا يضفي عليها وصف العقوبة، لان الغرض منها هو جبر الضرر وعودة الود بين الدول لا للعقوبة والانتقام. وذلك عندما أكد بأنه قد تم التمييز على نحو قاطع بين دفع الأموال على سبيل التعويض، أو دفعها لأغراض العقوبة، مع الاستبعاد الكامل لهذه الاخيرة من مفهوم التعويضات).

نطاق التعويضات:

ان تحديد نطاق التعويضات يرتبط أساسا بتحقيق الضرر الناتج عن العمل غير المشروع؛ وتشكل قواعد المسؤولية القانونية بأنواعها (الدولية - المدنية - الجنائية) نطاقاً قانونياً للتعويضات يترتب عليه تحمل الأشخاص الذين يرتكبون أفعال مخالفة للقانون الالتزام بالتعويض عن الأضرار التي نتجت عن هذا الفعل غير المشروع.

إزاء هذا المفهوم اتفق الفقهاء علي أهمية وقوع الضرر حتى تقام دعوى المسؤولية. إلا إن هذا الاتفاق في حقيقة الأمر يبدو متفاوتا بشأن ضرورة وجود الضرر في نطاق المسؤولية، وعليه برزت ثلاثة اتجاهات فقهية في هذا الشأن:

الإتجاه الأول: يرى إن وجود الضرر يعد شرطاً ضرورياً لقيام المسؤولية. بمعنى آخر لا يكفي لقيام المسؤولية مجرد إخلال الشخص بالتزامه القانوني، وفقا لهذا الاتجاه يشكل وقوع الضرر عنصراً أساسيا وبالتالي فلا تتحقق المسؤولية بدونه (لا مسؤولية بدون ضرر).

الإتجاه الثاني: يرى أن الضرر يعدّ عنصراً أساسياً في وجود العمل غير المشروع ذاته، بجانب عنصرين آخرين هما: الموضوعي: وهو أن يكون مضمون العمل غير المشروع تصرفاً يمثل مخالفة للالتزامات الدولية. أما العنصر الشخصي: فهو إسناد ذلك التصرف لشخص قانوني دولي، ومقتضى هذا الرأي (ان العمل غير المشروع لا يوجد إلا في حال كونه تصرفاً مخالفاً للالتزامات الملقاة على عاتق شخص دولي اتجاه شخص دولي آخر، وسبب له ضرراً).

الإتجاه الثالث: يرى أن الضرر يعد أمراً ملازماً للعمل غير المشروع دولياً، فأنّى وجد هذا الأخير، وُجد الضرر. ويؤكد أنصار هذا الإتجاه بقولهم: (إن الحق في التعويض ينشأ منذ اللحظة التي يرتكب فيها العمل غير المشروع).