لجنة تقصي الحقائق: المسار.. التحديات، والتقييم

(اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) هي لجنة أمر بتشكيلها ملك البحرين في أواخر يونيو الماضي، وذلك للتحقيق في الأحداث التي وقعت منذ فبراير الماضي. وقد حدد الملك مهامها في عشر قضايا، تشمل كل المواضيع والخروقات لحقوق الإنسان التي تحدثت عنها المنظمات الدولية، سابقاً ولاحقاً، بما فيها مزاعم التعذيب، والوفيات داخل السجون، والمحتجزين وظروف الإحتجاز، وخروقات جاءت من جهات متشددة، وأسباب الأزمة وتطوراتها، وما جرى في مستشفى السلمانية ودوار مجلس التعاون، ودور الإعلام في الأزمة، وحتى مسألة ما إذا كانت قوات أجنبية قد اشتركت في قمع الإحتجاجات من عدمه.. كل هذه القضايا مثار الجدل والتوتر، ستجد لها الطريق الأمثل للتحقيق على يد هيئة مستقلة، ومن ثم التصحيح عبر التوصيات التي تقدمها تلك الهيئة، وكذلك التوضيح من صحة وقوع بعض الأمور من عدمها.

رئيس لجنة تقصي الحقائق شريف بسيوني

وقد اعتبر الكثيرون تأسيس اللجنة مخرجاً قانونياً وحقوقياً وسياسياً لما أُشيع من تجاوزات وانتهاكات في البحرين في الفترة آنفة الذكر، وتوضيحاً لملابساتها، فضلاً عن أنها وسيلة مقبولة لدى الرأي العام المحلي والدولي بشقيه (الحقوقي والسياسي) كون رئيس اللجنة واعضائها من المشهود لهم، في الوسط الحقوقي الدولي وحتى الأكاديمي، بخبرتهم ونزاهتهم.

اعضاء اللجنة هم: الرئيس: د. محمد شريف بسيوني؛ ود. بدرية العوضي؛ ود. ماهنوش أرسنجاني؛ والقاضي فيليب كيرش؛ ود. نايجل رودلي.

لقد حثت منظمات عديدة وكذلك المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الحكومة في البحرين للتحقيق في التجاوزات أثناء الأحداث، وأبدت المفوضية نفسها استعدادها للقيام بذلك، وهو أمرٌ وافقت عليه البحرين مبدئياً من خلال وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الإجتماعية، د. فاطمة البلوشي. ويمثل تشكيل اللجنة البحرينية المستقلة في أحد جوانبه استجابة لتلك الطلبات، بما يحمل تخفيفاً من الضغوط الخارجية على الحكومة، ومحاولة استعادة مصداقيتها وسمعتها التي تأثرت سلباً في الأشهر الماضية.

المفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافي بيلاي رحبت بخطوة تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وقالت بأنها جمدت طلبها السابق بإرسال بعثتة للأمم المتحدة تقوم بنفس الدور، وعللت ذلك بأنها تشجع دائماً القيام بتحقيقات عبر آلية وطنية ذات مصداقية. واضافت بأنها تثق في أعضاء اللجنة. ومن جهته رحب بان كي مون باللجنة المشكلة حديثاً، وقال متحدث باسمه، بأن الأمين العام يشدد على ضرورة ان يتاح لها الوصول الى جميع الأفراد والمنظمات والمعلومات المتعلقة بالتحقيق، وأن تكون قادرة على العمل بكل استقلالية ووفق المعايير الدولية. ايضاً أصدر الإتحاد الأوروبي على لسان كاثرين أشتون بياناً مرحباً في ذات السياق، واعتبر تشكيل اللجنة (خطوة في الإتجاه الصحيح، ونأمل أن تلقي الضوء على حقيقة تلك الأحداث)، وتمنى للجنة النجاح وخلق مناخ افضل للحوار الوطني بحيث يتيح فرصة هامة للوصول الى اصلاحات حقيقية تلبي المطالب المشروعة للشعب البحريني.

على صعيد الدول، رحبت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، ودول الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي بتشكيل اللجنة كخطوة لاستعادة السلم الأهلي واحترام حقوق الإنسان. وهناك منظمات حقوقية دولية ومحلية رحبت بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، وفي مقدمتها أمنستي، وهيومن رايتس ووتش، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وغيرها، فضلاً عن منظمات حقوقية ومجتمع مدني، مثل جمعية أطباء البحرين، ومرصد البحرين لحقوق الإنسان، وكذلك كل الجمعيات السياسية المسجّلة رسمياً، كالوفاق ووعد وتجمع الوحدة الوطنية والمنبر الديمقراطي وغيرها.

مسار عمل اللجنة

لجنة تقصي الحقائق بدأت بأعمالها مبكراً، والتقت بالملك وعدداً من المسؤولين الكبار؛ وعقد رئيس اللجنة شريف بسيوني مع فريقه اجتماعات عمل مع وزراء ذوي علاقة بملف الأحداث: وزراء الداخلية، والعدل، والخارجية، وحقوق الإنسان، والتربية والتعليم، والعمل، وكذلك النائب العام. وأعطى بسيوني، انطباعاً حسناً عن سير الأعمال، وأبدى ثناءً على توفير المعلومات، ومستوى التعاون الذي أبدته الجهات المسؤولة، فضلاً عن أنه أعطى آمالاً في تصريحات له بحل المشاكل القائمة، وبأن عمله سيكون مستقلاً ومهنياً ومحايداً.

في فترة لاحقة، التقى فريق التحقيق بالجمعيات السياسية كافة، ثم التقى بعوائل المتوفين والمحتجزين جراء الأحداث؛ ثم قام فريقه بزيارة السجون والإلتقاء مباشرة مع المحتجزين، بمن فيهم الأطباء، وقيادات المعارضة المحتجزين بمن فيهم أميني عام جمعيتي وعد، وأمل، ورئيسي حركتي حق، والوفاء الإسلامي، وغيرهم من المتهمين بقلب نظام الحكم.

كذلك استقبل فريق التحقيق مباشرة أكثر من ألفي شخص من المتظلمين، ممن قدموا إفاداتهم وشهاداتهم للمحققين. وكانت اللجنة قد قدمت للجمهور موقعاً لها على الشبكة الإلكترونية، وعنواناً لمكتبها في المنامة، وبريداً الكترونياً للتواصل، وشجّعت الجمهور على التقدم وإبداء بما لديهم من معلومات، وذلك في تصريحات وبيانات متكررة أصدرتها اللجنة.

وكانت لجنة التحقيق تقدم ـ سواء في بيانات لها منشورة في الصحافة المحلية، أو على موقعها الإلكتروني ـ بعض تفاصيل عملها بين الفينة والأخرى، وتوضح للجمهور ما تقوم به، وما تنجزه، وفي بعض الأحيان موثقة بالصور، كآلية للتعامل الشفاف مع الرأي العام البحريني والدولي. وفضلاً عن ذلك، وبسبب زيادة الأعباء، شكل فريق التحقيق لجاناً اضافية، واستدعى المزيد من الخبراء من الخارج في القضايا التي يحتاجها، بما في ذلك خبراء في شأن المحتجزين المضربين عن الطعام، وبعثت بعضهم الى مواقع الأحداث لزيارتها والإطلاع على ما يجري على الأرض، والإلتقاء بالشباب والنشطاء؛ واعتمدت اللجنة على أطباء شرعيين استقدموا من الخارج للمساعدة في التحقيق بشأن المتوفين في فترة الإحتجاز، وفي فترة المواجهات بين رجال الأمن والمتظاهرين.

بسيوني يلتقي قيادات معارضة في السجن

مواجهة الإستقطابات والضغوط

بدا واضحاً من تأسيس اللجنة، أن هناك استعداداً لدى السلطات الرسمية للإعتراف بأخطائها، وتحمل مسؤوليتها، وذلك كطريق لحل الأزمة الحقوقية والسياسية التي تمر بها البحرين. وهذا ما أكده رئيس اللجنة في أول مؤتمر صحفي عقده في البحرين في 30/6/2011، حين قال: (لأول مرة تبادر دولة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر فى أحداث تتعلق بها ولا يكون لها سيطرة على أعمالها أو نتائجها)، وأنها (أول مبادرة من نوعها في العالمين العربي والاسلامي)، وأضاف بأن الملك (وافق على عودة الذين فصلوا من وظائفهم جراء الأحداث من الصحفيين والموظفين، كما وافق على عودة المنح الدراسية للطلبة).

وتبين حتى الآن، وحسب لجنة التحقيق نفسها، أن الحكومة متعاونة معها، بل أنها أخذت بملاحظات اللجنة حتى قبل أن تقدّم نتائج التحقيق النهائية، ومن بين ذلك: إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين، بمن فيهم الأطباء والنساء والمتهمين بارتكاب جنح؛ وإعادة مئات من المفصولين الى أعمالهم؛ وكذلك إعادة البعثات الدراسية للطلبة في الخارج والداخل.

لكن، ومنذ اليوم الأول، وبسبب الإنشقاق الإجتماعي/ الطائفي، تعرّض استقلال اللجنة الى امتحان صعب. فهناك طرف معارض لا يؤمن بالعملية السياسية، قد شكك في اللجنة وعملها وطالب أنصاره بعدم التعاون معها؛ يعضده في ذلك مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي لم يصدر بياناً حول تأسيس اللجنة، ولكن تصريحات رئيسه نبيل رجب ومقابلاته التلفزيونية تكشف عن معارضته لأصل عمل اللجنة، معتبراً إياها لجنة حكومية هدفها تلميع النظام، والتغطية على تجاوزاته، وتضليل الرأي العام الدولي، فضلاً عن أنها لن تخرج بنتيجة تنصف الضحايا.

المعارضة السياسية الأخرى التي رحبت باللجنة، كجمعية الوفاق الشيعيّة، وغيرها، دعت الجمهور الى التعاون معها، وشكلت لجاناً خاصة بها من أجل توثيق المعلومات والتجاوزات الحكومية لعرضها على لجنة التحقيق. بعض الجمعيات السنيّة فعلت ذات الشيء، ولكن لتوثيق تجاوزات المعارضة في مجال حقوق الإنسان أثناء الأحداث، يعضدها في ذلك جهات حقوقية. جزء من هذا التضادّ، انعكس في الصحافة، حيث ظهرت مقالات وتعليقات تعبر عن الخشية من أن تتمكن المعارضة (الوفاق بالذات) أو الموالاة (تجمع الوحدة الوطنية) من الهيمنة على لجنة التحقيق من خلال المعلومات وتوجيهها بما يخدم مصالحها وغاياتها السياسية.

الأطراف السياسية البحرينية كافة تدرك بوضوح، أن من السهولة بمكان استثمار نتائج التحقيق سياسياً. ذلك ان الحل السياسي للأزمة قادم بعد الحل الحقوقي، وهذا يشكل إغراءً للجهات المتنافسة لاستثمار عمل اللجنة ونتائجه. فالمعارضة تريد من القدر الكاشف من نتائج لجنة التحقيق فيما يتعلق بالتجاوزات الحكومية، إضافة ورقة للضغط من أجل تعزيز موقعها التفاوضي ـ فيما لو تم. ولكن الجهات السياسية السنيّة، لا تريد أن تقدم نتائج اللجنة ورقة إضافية لجمعية الوفاق (الشيعية) لأن ذلك قد يكون على حسابها.

هذا التسييس المبكّر لعمل لجنة التحقيق ونتائجها، شكل ضغطاً على أعضائها وعلى سير عملها منذ الأيام الأولى؛ وما كان ذلك ليكون لولا اتساع الشرخ الطائفي، وتضارب المصالح، وعدم وجود معايير واتفاقات مبدئية بين القوى السياسية في المجتمع البحريني، وهو الأمر الذي جعل لجنة التحقيق عرضة لسهام جميع الأطراف، وكلٌّ منها يسعى للتأثير على نتائج اللجنة مسبقاً.

تصاعد الجدل واللغط

في هذا الجو المحموم من التنافس في تقديم المعلومات للجنة التحقيق، صرّح رئيسها شريف بسيوني لوكالة رويترز في 5/8/2011، بأن (وزير الداخلية أبدى رغبة ـ فوق تصوري ـ للاستماع لأي حالة نطرحها، سواء كانت بفصل بعض أفراد الشرطة أو القبض عليهم، أو العفو وإطلاق سراح بعض المحتجزين، وهذا ما يدفعني للإيمان بأنه لا يوجد سياسة استخدام مفرط للقوة أو التعذيب، ولا يمكن أن ننفي وقوعها، وأعتقد أنها كانت حالات فردية من بعض رجال الأمن من الرتب الدنيا، ولم يكونوا على تواصل دقيق مع رؤسائهم لإحكام السيطرة على الموضوع بشكل فعال).

لم يرضِ هذا التصريح أطراف من المعارضة وبعض النشطاء الحقوقيين (تحديداً مركز البحرين لحقوق الإنسان)، وثار الجدل في منتديات الإنترنت حول استقلالية اللجنة، وتضليلها الرأي العام، في حين تحدث آخرون عن أكاذيب المعارضة ومبالغتها. رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، نبيل رجب، وجه رسالة الى بسيوني (9/8/2011) عبر فيها عن خيبة أمله من التصريحات الأخيرة، وأنها أوحت بأنه يتبنى وجهة النظر الرسمية قبل استكمال التحقيق. واعتبر تلك التصريحات افتراضات خاطئة ومتسرعة وسابقة لأوانها، وقد تضرّ كثيراً بمصداقية اللجنة، وأن تصريحات بسيوني يناقض محتوى التقارير الحقوقية المنشورة؛ كما أن من الصعب ـ من وجهة نظر رجب ـ تصديق أن التعذيب لم يكن منهجياً. وخلص الى القول بأنه يشكك في شرعية اللجنة والنتائج التي توصلت اليها، وأن رئيسها قبل ادعاءات الحكومة دون استفسار عن استعدادها لتصحيح الأخطاء الفردية.

ورد بسيوني برسالة تفصيلية مطولة في نفس اليوم (9/8/2011) مؤكداً استقلال اللجنة وأنها لا تتبنى وجهة نظر الحكومة ولا أية جهة أخرى. واعتبر الطعن في استقلالها مهيناً لأعضائها وموظفيها (الذين يعملون 14 إلى 16 ساعة يوميا خدمة لقضايا حقوق الإنسان في البحرين)، مؤكداً: (لم يشترنا أحد، كما لسنا في خدمة أي شخص سوى في خدمة حقوق الانسان، وسنواصل العمل على هذا النحو). وتابع: (بعد انتهائنا من تحقيقاتنا سوف يكون بمقدورنا تحديد ما إذا كان مثل هذا العدد الكبير من الانتهاكات هو نتاج “الدولة أو السياسة المنظمة”..). وتابع: (إنني متأكد من أنك تعرف الاختلافات القانونية بين المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية المسئولين، والتي هي أكثر صعوبة في تحديدها، وفيما يرتبط منها بهذا الأخير، فنحن بحاجة إلى تحديد ما إذا كان المسئولون في الهرم القيادي قد فشلوا في اتخاذ التدابير المناسبة لمنع التعذيب عندما كانوا على علم بوقوعه، أو كان لديهم سببا للإحاطة علما بان التعذيب قد وقع فعلا. وهناك أيضا مسؤولية القيادة عندما تفشل سلسلة القيادة في التحقيق، ومحاكمة أولئك الذين يرتكبون مثل هذه الجريمة).

بسيوني يلتقي بالأطباء قبل اطلاق سراحهم

وفيما يتعلق بتقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي أشار اليها نبيل رجب في رده، قال بسيوني: (مع جل الاحترام الواجب لجميع منظمات حقوق الإنسان الدولية التي ذكرتَها، إلا إنني متأكد من إنك ـ كمحام - سوف تتفق يأن تقاريرها تعتبر أدلة ثانوية. إننا إما بحاجة إلى أن نتمكن من الوصول إلى الحقائق التي بنوا عليها استنتاجاتهم، أو أن نكون قادرين على تحديد تلك الحقائق بأنفسنا. ونظرا لأننا لسنا منظمة حقوق إنسان - كما ذكرت أنت بنفسك - فإننا بحاجة إلى التأكد من الحقائق، ليس لأهميتها القصوى فحسب، وإنما أيضا بغية تحديد مكامن الخطأ في النظام، ومن هو ـ من ضمن النظام - الذي شرع في وضع سياسات خاطئة أو طبقها، وكيفية تصحيح هذه الأخطاء).

ورفض بسيوني تعميم تصريحاته لرويترز بالقول: (في خضم ما حدث، مع الاستقطاب والتطرف الموجود، ومناخ الشك والريبة، وما ادُعِيَ من حجم الانتهاكات؛ إنني متأكد من أنك سوف تتفق معي على أنه من السابق لأوانه التوصل الآن إلى أية استنتاجات. لا يمكن بأية تصريحات عامة أو محدودة كتلك التي أدليتُ أنا بها لوكالة رويترز أن تستخدم كأساس لنوع من التعميم الذي توصلتَ إليه أنت والآخرون).

وختم بسيوني رسالته، للرد على زعم آخر لنبيل رجب قاله في مقابلة على الإنترنت: (ادعيتَ بأن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لا تبحث في وفاة الأشخاص. هذا بكل بساطة غير صحيح، وأنت تعرف ذلك بدليل إنك على موعد مع اللجنة لمرافقة الشهود مع الأدلة المتعلقة بخصوص حالات الوفاة المعنية. علاوة على ذلك، أرى من المؤسف بأنك ترى في التهجم عليّ شخصيا ـ في تلك المقابلة - ضرورة. سوف تستمر اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق مواصلة عملها كهيئة محايدة ونزيهة ومكرسة لخدمة حقوق الإنسان بغض النظر عن أي نقد أو وجهات نظر سياسية موجودة. نحن هنا لمعرفة الحقيقة، بل لا شيء سوى الحقيقة. ولا نزال منفتحين على أي نقد بناء أو أية أفكار بناءة قد تساهم في تحسين عملنا).

في 15/8/2011، كرر بسيوني تصريحاً حول عدم وجود أدلّة ـ حتى الآن ـ لدى لجنة التحقيق تتعلق بوقوع انتهاكات منهجية، فيما كان هناك تجييشاً للشارع على تصريحاته السابقة، ووجهت دعوات الى الذهاب الى مقرّ اللجنة لتقديم شهادات او احتجاجات؛ وهناك في يوم 14/8/2011، جرى الإعتداء على مكتب لجنة التحقيق وعلى العاملين والمحققين؛ فأصدرت اللجنة في 15/8/2011 بياناً توضيحياً يكشف عن عمق الإنشقاقات الطائفية، والتجاذبات السياسية في البحرين.

يقول البيان: (في ضوء الادعاءات الأخيرة بأن اللجنة البحرينية المُستقلة لتقصي الحقائق قد توصلت إلى قرارٍ نهائي بشأن التحقيق في الأحداث التي وقعت في المملكة خلال شهري فبراير ومارس المُنصرمين، فضلاً عن الهجوم اللفظي والجسدي على موظفيها.. فإن اللجنة تودُ أن تؤكد أنه بالرغم من بعض العناوين غير دقيقة في الأخبار الأخيرة، والتي إدعت أن اللجنة قالت بأن حكومة البحرين لم ترتكب جرائم ضد الإنسانية خلال المظاهرات التي وقعت على مدى الأشهر الماضية.. فإن اللجنة تود أن توضح بأنها لم تقدم أي قرار من هذا القبيل، وأن تحقيقاتها مستمرة). وأضاف: (إن اللجنة لم تقدم أي تقرير عن حجم انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين حتى اكتمال التحقيق، وأن الأمر لا يعدو أن يكون قيام بعض وسائل الإعلام والنشطاء بتحريف تعليقات لرئيس اللجنة، الأستاذ الدكتور محمود شريف بسيوني، من أجل دعم مواقفهم السياسية، ومن ثم فإنه لمن الضروري التأكيد على أن اللجنة لن تسمح لنفسها أن تستخدم كأداة سياسية لأية جماعة). وأضاف البيان بأن اللجنة لن تقوم بأية مقابلات مع وسائل الإعلام، وأنها ستعتمد على البيانات لتوضيح نشاطاتها ومواقفها حسب الضرورة، وقررت اغلاق مكاتبها التي استمرت لثلاثة أيام.

وشرح البيان ما حدث من اعتداء على النحو التالي: (توافد مئات الأشخاص إلى مكتبها بالأمس في حالة من الغضب، وقد اعتقد بعضهم أن رئيس اللجنة قد أنهى نتائج التحقيق، بالإضافة إلى ما تم نشره وتداوله من قبل النشطاء على تويتر ومن خلال الرسائل النصية التي دعت الطلاب والموظفين المفصولين للتوجه إلى المكتب لتقديم إفاداتهم، وبعد محاولة لاستيعاب الحشد من خلال تقديمهم المعلومات الخاصة بهم، إلا إن بعض الحشود لم تهدأ، و تعرضوا لموظفي اللجنه بالإعتداء اللفظي والجسدي، كما إنهال بعضهم على الموظفين بالشتائم والتهديد، وإلصاق بعض اللافتات المُسيئة على جدران المكاتب، أو عن طريق البريد الإلكتروني، فضلاً عن البصق على أعضاء اللجنة، ودفعهم بالأيدي، في حين واصل بعض الأفراد إلتقاط الصور والفيديو لمكتب اللجنة، على الرغم من نصيحة الموظفين أن هذه الأفعال قد تهدد سرية وسلامة وأمن الشهود والضحايا المدونة أسماؤهم، في ذات الوقت الذي كان الموظفين يجرون فيه تحقيقاتهم. وعلى الرغم من كل هذا كان قرار اللجنة هو استمرار التعامل مع المراجعين ومحاولة تهدئتهم، دون الاستعانة بالجهات الأمنية التي كانت تتابع الموقف عن كثب خشية تطوره، إلا أن المحققين ـ وبعد تعرضهم للإعتداء اللفظي والجسدي والبصق عليهم - إستمروا في قبول الإفادات حتى انصرف الحشد).

خلاصة

لقد عملت لجنة التحقيق في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، حيث الإنشقاقات السياسية والطائفية في المجتمع، وحيث درجة التوتر عالية النبرة، وحيث تقلبات السياسة والأفراد ومراكز القوى في المؤسسات والجمعيات وغيرها. لقد جاء د. بسيوني بأمل تقديم حلّ ومساعدة السلطة والمجتمع في الوصول الآمن اليه عبر آلية التحقيق في مجريات الأحداث منذ فبراير الماضي. والأرجح أن مهمته ستتكلل بالنجاح الى حدّ كبير، رغم الصعوبات. كما نعتقد بأن تقرير اللجنة النهائي سيتعاطى معه إيجابياً من قبل الحكومة، لحل إشكالات الملف الحقوقي بمجمله، وللإسهام فيما بعد في ديمومة الإستقرار عبر إيجاد آليات للحل السياسي.

لا شك أن عمل لجنة التحقيق مفصلي وهام، وقد أثبتت حماسة في عملها الدؤوب، وشجاعة في مواجهة ضغوطات الإستقطاب السياسي والطائفي، وكذلك شجاعة في إيصال رأيها للسلطات بشأن ممارسات غير قانونية. وما يدفع المرء للإعتقاد بنجاح اللجنة، أن الحكومة أبدت تعاوناً أشاد به بسيوني في تصريحات متعددة، كما أشاد بذلك بيانات اللجنة، وهذا ما جعل الطرفين (السلطة واللجنة) ينجزان خطوات ملموسة على صعيد إصلاح تجاوزات حقوق الإنسان.

زد على ذلك، فإن هناك آمالاً لدى الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بأن تنجح لجنة التحقيق في مهامها، وتخرج المجتمع والسلطة والمعارضة من مستنقع الأزمة. ولهذا أبدت تلك الجمعيات والمنظمات تعاوناً غير قليل مع لجنة التحقيق، ودافعت عنها، وانتقدت مهاجمتها والإعتداء عليها، وهذا أيضاً يعني أن هناك إجماعاً رسمياً وشعبياً ومعارضة قد تشكّل حول أهمية عمل اللجنة وضرورة التعاون معها. وإذا ما استمر هذا الإحتضان والتعاون ـ بعيداً عن الأصوات المشككة والجذب السياسي الحاد ـ الى ما بعد نشر تقرير اللجنة في أكتوبر القادم، فإن أفقاً رحباً قد يفتح من جديد لحلّ الموضوع السياسي وليس الحقوقي فحسب.