المنظمات الحقوقية والإستقطاب السياسي

الوضع الحقوقي في البحرين ليس بعيداً عن التسييس، فهذه مشكلة مزمنة لم تحلّ حتى بعد تأسيس الجمعيات السياسية عام 2005. ولقد شرحنا في أعداد سابقة الأسباب والدوافع التي تؤدي الى التسييس، وكون بعض الناشطين حقوقياً كانوا معارضين سياسيين، وبعضهم لازال؛ وأن المنظمات الحقوقية البحرينية وليدة عهد ولا تتمتع بالخبرة الكافية وتدرك حقيقة أن التصاق الموضوعين السياسي والحقوقي يضرّان بالسياسة وحقوق الإنسان معاً. وشرحنا حقيقة أن الأجواء السياسية الصاخبة تدفع بالجمعيات السياسية لاستخدام الوسائل الحقوقية كإحدى أدوات عملها، وبالتالي فإن حدّة الإستقطاب السياسي تؤثر على حيادية ومصداقية ومهنية منظمات حقوق الإنسان.

بيد أن الأحداث السياسية الأخيرة في البحرين قد عمّقت مشاكل المنظمات الحقوقية المحلية، الى حدّ تقويض نشاطها؛ فحدّة الإستقطاب دفعت بحقوقيين الى ممارسة العمل السياسي بشكل صارخ وبذل جهود أكبر، حيث تركزت تلك الجهود في الصراع السياسي مع النظام، ولم يتبق لديها فائض من الجهد والوقت يعتد به للموضوع الحقوقي، حتى أن بعض الجمعيات غابت بشكل شبه تام عن ساحة حقوق الإنسان.

ولا تعود المشكلة فقط الى عنصر محدّد واحد، بل الى عناصر مجتمعة، عطّلت النشاط الحقوقي؛ فمع تزايد الصراع في الشارع، كان الإستقطاب أكبر من أن يتحمّل، أو أن يفسح المجال لجهة أن تفكر بهدوء وتقوم بدورها بعقلانية ومهنية ورويّة. الإستقطاب الحادّ سيّس الجهد الحقوقي، الداخلي أو الخارجي. فالبيانات الحقوقية التي يفترض أن تستهدف ترشيد الممارسات الحكومية والمجتمعية صارت مادّة وسلاحاً يستخدم ضد الحكومة لتحقيق هدف غير الهدف الذي أصدرت بشأنه.

وفي خضم أجواء التوتر، نُظر الى تلك البيانات بصفة غير منفصلة عن الأجواء السياسية، وعن من يستخدم تلك البيانات والتقارير الحقوقية لأغراضه السياسية ومعاركه مع السلطة. بمعنى أن الأخيرة، وجدت أن تلك التقارير والبيانات قد أصبحت سلاحاً سياسياً، وليس قضية حقوقية يمكن تقبّلها أو تفهمها كما كان قبل الأحداث. لهذا، فإن أيّ نقدٍ يوجّه للحكومة وسلوكها استخدم سلاحاً من خصومها، وصارت النظرة بناء على ذلك وكأن المنظمات الحقوقية جزء من المعركة القائمة. وفي المقابل أيضاً، فإن أيّ نقدٍ يوجّه للمعارضين وسلوكهم جرّ الى اتهام المؤسسات الحقوقية بالتضامن مع السلطة، والتغطية على انتهاكاتها، أو حتى العمالة لها.

لهذا كانت ممارسة النشاط الحقوقي في البحرين خارج الأجواء السياسية أمراً صعباً، فالموضوعية والمهنية والحيادية لم تكن مقبولة، لأن كل طرف كان لا يقبل باستقلالية النشاط الحقوقي عملياً. وإزاء هذا، وفي مثل هذه الظروف، فإن الإنكفاء والصمت اعتبر خياراً من الخيارات؛ فلم نسمع إلا أصواتاً محدودة قليلة من بين مئات المنظمات الأهلية كل في اختصاصها (المرأة الطفل العمال والعمالة الأجنبية، وحرية التعبير، وغيرها). الصمت المطبق، كان خيار المجتمع المدني البحريني، وهو خيار خاطئ، لأنه في وقت اشتداد الأزمات تكون الحاجة أشدّ الى النشاط الأهلي عامة، وحقوق الإنسان خاصّة.

الخيار الآخر، كان مواصلة العمل مهما كانت الظروف، ومهما كان الإتهام والنقد، وحتى لو استثمر ما يقال لصالح هذه الجهة او تلك في صراعها السياسي. ولقد وفّرت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان منهجاً للتعامل في مثل هذه الظروف بحيث يكون التركيز على المشاكل والإنتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أي جهة أتت، باستخدام أدوات وآليات ومعايير حقوق الإنسان.