أحداث البحرين:

التغطية الحقوقية والإعلامية

شأن الأحداث المشابهة في العالم العربي، شهدت البحرين منذ 14 فبراير الماضي حضوراً مكثّفاً للإعلام العربي والدولي، ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن الوفود السياسية الأوروبية والأميركية والخليجية التي جاءت الى البحرين محاولة التعرف على الأوضاع، وتقديم النصائح لمختلف الفرقاء السياسيين، والدعم للنظام السياسي القائم.

   

حضور المنظمات الحقوقية الدولية، كمنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان،وغيرها، كان لافتاً، حيث التقت وفودها ـ في مهمات تقصي للحقائق ـ مع المسؤولين والمتظاهرين ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وعوائل الضحايا، والجمعيات السياسية. واطلعت تلك الوفود على أوضاع المستشفيات التي نقل اليها القتلى، وقابلوا الجرحى والممرضين والأطباء وكل من اعتقدوا أنه يفيدهم في معرفة الحقائق على الأرض. وقد أصدرت تلك المنظمات عدداً غير قليل من البيانات، كان طابعها العام التنديد باستخدام العنف ضد المتظاهرين، وحملت دعوات تطالب بالتحقيق فيما جرى من سقوط للضحايا والتعرف على أسباب المصادمات بين رجال الأمن والمتظاهرين؛ كما طالبت تلك المنظمات بمساءلة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، اضافة الى تعويض الضحايا، واتخاذ إجراءات قانونية وإدارية ومؤسساتية لمنع تكرار ما جرى. لا ننس هنا، في المقابل، أن المنظمات الحقوقية الدولية أصدرت بيانات ترحيب بإطلاق سراح العشرات من المحتجزين والمحكومين على خلفية الأحداث الأمنية والسياسية، كما رحبت بتشكيل لجنة التحقيق بأمر الملك.

بهذا المعنى فإن هذا الحضور اللافت للمنظمات الحقوقية، وتواصله المكثف مع الجهات الرسمية والمجتمع المدني والقوى السياسية، مثّل أداة ضغط وضبط للتصرفات غير الرشيدة التي قد يقوم بها أي طرف من الأطراف، خاصة وأنه ترافق مع سلسلة من البيانات المتسارعة التي تكشف عن طبيعة المشهد المحلي، والأطراف المتجاوزة لحقوق الإنسان.

مازالت المنظمات الحقوقية تتابع وترصد الأحداث أولاً بأول، وبعضها يستعدّ لإصدار تقارير مطولة تشرح ما حدث وكيف وقعت الإنتهاكات، وعادة ما تختتم تلك التقارير بتوصيات عمليّة وقانونيّة تطالب الحكومة بتطبيقها منعاً لتفاقم تلك الإنتهاكات.

يترافق مع الحضور الحقوقي، حضور إعلامي لم تشهده البحرين من قبل. فالمؤسسات الإعلامية الكبرى متواجدة في الشارع وبين المتظاهرين ولدى رجال الحكومة والمعارضة. وكالات الأنباء الرئيسية حاضرة: رويترز، الفرنسية، الألمانية، أسوشيتدبرس، والعديد من الوكالات العربية والأجنبية الأخرى. مثل ذلك حدث بالنسبة للقنوات الفضائية التي ترسل تقاريرها من البحرين بشكل مستمر: كالبي بي سي، والسي إن إن، والى حدّ ما الجزيرة، والعربية، وغيرها. كل المحطات تقريباً متواجدة، بل هناك ما يشبه البث المباشر على الإنترنت، فضلاً عن استخدام التويتر والفيس بوك بشكل كبير جداً لنقل الأحداث والصور والأخبار في لحظتها.

ليست هناك مضايقات أو ضغوط تمارس على المنظمات الحقوقية او الإعلام الأجنبي. وبالنسبة للإعلام الرسمي فإنه وجد نفسه في زحمة البث الفضائي مضطراً لتكييف ذاته وإصلاح خطابه بما يتماشى مع المعطيات السياسية الجديدة. وقد تم ذلك، وبشكل سريع، حيث نزل التلفزيون الرسمي الى دوار اللؤلؤة وجامع الفاتح ليغطي على الهواء مباشرة آراء المعتصمين ومطالبهم وحتى شتائمهم، وعرض كل وجهات النظر المختلفة. مثل هذا لم يحدث للإعلام الرسمي المصري، ولا التونسي، ولا الليبي واليمني.

وفي الجملة، فإن حضور الإعلام الخارجي بكثافة، وتزايد التقارير الصحافية والتلفزيونية عن البحرين، قدّم صورة واضحة للمشهد السياسي البحريني، حيث كشف عن مخاوف الأطراف السياسية (الحكومية والشعبية) ومطالبها، كما كشف حجم القوى السياسية في الشارع البحريني، وقدّم توضيحاً لاتجاهات الرأي العام واهتماماته وحدود تطلعاته، كما كشف أيضاً حجم الأخطاء ومواطن الضعف والنقص في أداء الجهاز الحكومي برمّته. زد على ذلك، فإن حضور الإعلام الأجنبي وطريقة تغطيته قد ساعد على توسعة هامش حرية التعبير، كما ساهم في إنضاج الخطاب السياسي العام.

ولا يفوتنا أيضاً أن نشير، بأن قدراً هائلاً من الإشاعات قد انتشر في الأيام الأولى للأحداث، ما استدعى الأطراف السياسية الى مخاطبة الرأي العام مباشرة، وتوضيح الحقائق من وجهة نظرها، كما فعل ولي العهد ووزير الخارجية ورموز المعارضة سواء في الميدان أو في مقابلات مع الفضائيات.

ما نخلص إليه هو أن الحضور الإعلامي والسياسي والحقوقي، الدولي والمحلي، مفيد للبحرين خاصة في هذا الوقت لكي يكون العالم شاهداً ومساهماً وناصحاً. وما نأمله هو أن تبقى البحرين مفتوحة لكل وسائل الإعلام، ولكل المنظمات الحقوقية، لكي يكون حضورها مشرعناً حسب القانون، وليس حسب تطور الظروف والأوضاع.