تحصين استقرار البحرين

باحترام أكبر لحقوق الإنسان

تكشف التحولات السياسية الضخمة التي وقعت في تونس ومصر وعدد من الدول العربية الأخرى كاليمن والأردن وغيرها، أن هدر حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، كانت السبب الجوهري وراء الإحتجاجات الجماهيرية وعدم الإستقرار الأمني والسياسي؛ وأن مطالب الجمهور لم تكن لتخرج عن ذلك الإطار الحقوقي الذي رسمته المواثيق الدولية التي وقعت عليها كل النظم العربية، ولكنها لم تلتزم بها ـ إلا بعضها وبصورة مجتزأة أيضاً.

لا يوجد نظام سياسي عربي محصّن من تداعيات ما يجري في تونس ومصر وغيرهما، اللهم إلا بمقدار قربه والتزامه بحقوق مواطنيه في شتى المجالات. فبمقدار الإلتزام بحقوق الإنسان، هناك حصانة، وبالتالي فمسألة الإستقرار نسبيّة بين نظام عربي وآخر.

وهنا فإنه ينبغي التأكيد على حقيقة بالغة الأهمية، وهي أنه لا يمكن تجزئة حقوق الإنسان، فالإصلاحات يجب أن تشمل كل الجوانب الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية. فكل هذه مترابطة، ومن العبث الفصل بينها، أو بناء سياسات وبرامج على ذلك الفصل. ذلك أن بعض الأنظمة العربية لا تريد تقديم تنازلات لشعبها في مجال حقوقه السياسية، وتؤجل ذلك الى ما بعد تحقيق الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية، حسب زعمها. ولكن في النهاية، وكما رأينا، لم تتحقق تلك الإصلاحات لا في الجانب الإقتصادي والإجتماعي ولا في الجانب السياسي. والسبب ببساطة هو أن حقوق الإنسان كلٌّ مترابط ويعتمد على بعضه البعض، وهذا ما تؤكده الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في أدبياتها المتعددة.

لا يمكن إلغاء الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين أو تأجيلها بحجّة الإهتمام بمعاش الناس. فمن يؤجل الإصلاحات السياسية يؤجل أيضاً التطور الإقتصادي، لأن الأخير سيجد نفسه أسير الرؤية الإستبدادية والتسلطية. كيف يمكن مثلاً أن يتحقق نمو وانتعاش إقتصادي في ظل نظام مستبدّ يقمع الحريات الفردية، ويضيّق على حرية التعبير، ويمنع حريّة التجمّع، ويقمع النقابات، ويلغي المؤسسات التشريعية، أو يفرّغها من وظائفها في الرقابة والمحاسبة والتشريع، أو يلغي الأجهزة الرقابية التي تضبط الفساد، ويكمم الأفواه الصحفية التي تفتح أعين الناس عليه؟!

وفي المقابل تصبح الديمقراطية، وحتى التحوّل الديمقراطي، أمراً عبثيّاً إن لم تتظافر جهود أجهزة الدولة لإنجاز الحقوق الإقتصادية والإجتماعية. الديمقراطية لا يمكن أن تستمر لزمن طويل مع الفقر والعوز وسوء الخدمات والبطالة. وبكلمة أخرى: هناك حاجة لتحقيق انجازات متزامنة في كل الحقول السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية بدون فصل عبثي بينها.

فيما يتعلق بالبحرين، فإن تجربتها الإصلاحية التي بدأت منذ عقد قد منحتها مساحة من الوقت والفرص لتحقيق وتدعيم الإستقرار القائم، وهو أمرٌ قد لا يكون متوفّراً لدول عربية عديدة. لكن هذه الحصانة لن تكون مكتملة إلا بتحفيز الحراك السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي عبر الإصرار على الإستمرار في الإصلاحات بوتيرة متسارعة غير مترددة، بحيث تزيل الإحتقانات إن وجدت، وتمنع بروز أي من الظواهر السلبية التي قد تنعكس على الإستقرار.

يمكن التذكير هنا مرّة أخرى بضرورة بذل المزيد من الجهد لتلبية حاجات المواطنين، خاصة الأجيال الشابّة الجديدة. فمطالب هذه الأخيرة في تزايد، وهي تبحث عن حقوقها في التعليم والصحة والعمل والإسكان، فضلاً عن حقوقها السياسية والمدنية التي تعنى بكرامتها الشخصية. إن إرضاء هذه الأجيال الشابة، وجذبها للمشاركة في المشروع السياسي الإصلاحي كيما تساهم في صنع حاضرها ومستقبلها.. هو الذي سيصنع مستقبل البحرين الآمن والمستقرّ، وقبل ذلك الحرّ والديمقراطي.