مواصفات الحكم الرشيد

لا حكم رشيد، إن لم يحترم حقوق الإنسان.

هذه مسلّمة في تعريف الحكم الرشيد، وفي تقييمه، أو تقييم أدائه.

لقد دخل موضوع حقوق الإنسان في كل تفاصيل الحياة العامة.

وصار بذاته ليس فقط نهجاً يفترض من الحكومات ان تلتزم به فحسب، بل هو مقياس لنوعية الحكم، ولصلاحيته، ولتقييم مستقبله حتى.

مفردة (الحكم الرشيد) قد تكون جديدة في الأدبيات العربية، ولكنها متداولة بكثرة كمفردة حقوقية صميمة.

يُقصد بالحكم الرشيد، ذلك الحكم الذي تتوفر فيه الشروط التالية:

ـ أنه حكم تتوافر فيه المؤسسات الديمقراطية، والتي تتيح للأفراد المشاركة في الشأن العام.

ـ أنه حكمٌ ناجحٌ في توفير الخدمات لشعبه، وهي خدمات تعتبر من حقوق الشعب، كخدمات الدولة في التعليم والصحة والإسكان والعمل وغيرها.

ـ أنه حكمٌ قائم على سيادة القانون؛ والسيادة تعني تطبيق القانون على الجميع بلا تمييز. إنه القانون الذي يطبّق بصورة عادلة، بحيث تحفظ من خلاله حقوق الأفراد؛ وهو القانون الذي يحمي الحريات الأساسية للمجتمع ويمثل ملاذاً للأفراد من تغوّل السلطة التنفيذية.

ـ وأخيراً فإن الحكم الرشيد، هو الحكم الذي يكافح الفساد، بما يشمله من هدر للأموال العامة، وتجاوز للقانون، ومحاباة لفئات أو افراد.

وبمكافحة الفساد، يصبح الحكم رشيداً من جهة كونه ذا مؤسسات فاعلة تؤدي وظائفها بالشكل المطلوب، خدمة للصالح العام.

بهذه التوصيفات، فإن السعي الى حكم رشيد، مسألة مستمرة ودائمة، ويمكن ان تتطور أنظمة حكم فتصبح مشمولة بـ (الرشد)؛ كما يمكن أن تنزلق أخرى، فتكون مشمولة بأنظمة الحكم غير الرشيدة (الفاسدة، المستبدة، وغيرها).

ومن هنا، وجب على الدول ليس فقط السعي الى الإستمرار والعمل باتجاه التكامل، وتحسين الأوضاع، لتنال رضا الشعب، وتصبح في مقام الدول التي يشار اليها بالبنان، كأنظمة حكم صالحة.. ليس هذا فحسب، بل عليها ان تراقب وضعها، حتى لا تنزلق أيضاً وتخسر ما حققته.

إن الحكم الرشيد بالمواصفات التي طرحت أعلاه، لا يمكن إلا أن يكون حامياً لحقوق الإنسان، في مجالاته المتعددة: ليس فقط حمايته من أذى السلطات، وإنما حمايته في تحصيل وممارسة حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية والإقتصادية والثقافية، تماماً مثلما عبر عنها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين. فأي تطبيق لمواصفات الحكم الرشيد، هو بالضرورة يخدم وبشكل مباشر حقوق الإنسان.

وبالرغم من حقيقة أن مفهوم (الحكم الرشيد) له ارتباط بمفهوم (حقوق الإنسان)، إلا ان الأخير ليس جزءً منه، وهو منفصل عنه، كما انه بحاجة الى عناية خاصة، اضافية. فمثلاً، لا بد أن يبذل الحكم الرشيد، جهداً كبيراً في وضع الأطر التشريعية والسياسات والبرامج ومخصصات الميزانية وغير ذلك، بما يمكّن من احترام حقوق الإنسان وتطويرها.

ثم ان الحكم الرشيد مسؤول عن توفير البيئة المواتية لحقوق الإنسان، وتمكين المفهوم الحقوقي ثقافياً وعملياً في مؤسسات الدولة والمجتمع. ونلاحظ ان مبادئ حقوق الإنسان، تكاد تكون نفسها المبادئ التي يقوم عليها الحكم الرشيد، من جهة تحقيق: (المساءلة والشفافية والنزاهة وعدم التمييز والمشاركة والمساواة واعتماد الكفاءة، وغيرها). وعلى هذا الأساس، يمكن القول وبدون تحفّظ: إن الحكم الرشيد، هو الحكم الحامي والمحافظ والمدافع عن حقوق الإنسان.

بقيت نقطة جديرة بالملاحظة، وهي أن كثيراً من الدول، يهمّها توفير الخدمات العامّة لمواطنيها، والتي تعتبر جزءً من حقوق الإنسان، ومن مسؤوليات الدولة توفيرها، كالصحة والتعليم والسكن والعمل وغيرها. لكن هذه الدول، قد تتمنّع في توفير الحقوق السياسية للمجتمع. ومن هذه الزاوية، لا يعتبر الحكم الذي لا يوفر الحقوق السياسية حكماً رشيداً؛ بل قد تنعكس سلبيّات منع المواطن من المشاركة السياسية على أداء الدولة في توفير الخدمات الأخرى.

بمعنى آخر، ان وجود مشاركة سياسية، كما سيادة القانون، وتوفير الخدمات للمواطنين، مترابطة فيما بينها، ولا يمكن مكافحة الفساد، ولا تحقيق سيادة القانون، ولا توفير الخدمات بشكل جيد ومستمر، بدون ان يكون للمواطنين رأي وموقف ومشاركة.