البحرين.. التطلعات التي نريد

تضمن خطاب ملك البحرين بمناسبة افتتاح أعمال دور الإنعقاد الثالث للبرلمان، الكثير من المفردات الحقوقية والسياسية والتنموية والأمنية وغيرها، بعضها يمثل تطلعات يتمنى المواطن أن تحققها البحرين؛ وأخرى تمثل الثوابت التي يجب أن يستمر بنيان البحرين عليها. ومن ضمن ذلك التالي:

أولاً ـ التأكيد على حقيقة الدور المهم للبرلمان، ومهمته الأساسية: (التشريع والرقابة)؛ خاصة وأن البرلمان هو الممثل لـ (الإرادة الشعبية)، ما يعني أن أي ضعف في أداء مهمته يمثل هدراً للإرادة والتفويض الشعبيين اللذين أولداه؛ كما يمثل ضعف الأداء خطراً على أجهزة الدولة، التي تحتاج دائماً الى تشريعات جديدة ومتطورة، والى رقابة تمنع الفساد، والهدر، والترهّل. البحرين المتطورة بحاجة على الدوام، الى برلمان قويّ، يمثل الإرادة الشعبية، ويقوم بدوره التشريعي والرقابي. فإذا اختلّ هذا، اختلّ أداء الجهاز التنفيذي.

ثانياً ـ الغاية التي يفترض ان تسير البحرين باتجاهها، وفق ما توافق عليه الحكم والشعب من خلال ميثاق العمل الوطني، هي بناء دولة المؤسسات والقانون، حسب خطاب الملك. ودولة المؤسسات والقانون، هي الدولة التي تحفظ الحقوق الأساسية للمواطن؛ وهي الدولة التي تحمي الحريات؛ وهي الدولة التي تدعم العمل الديمقراطي. أي: هي الدولة التي تحترم إرادة الشعب، وتؤمن بحريته وكرامته، وتحافظ على حقوقه.

ثالثاً ـ رغم كل العواصف التي حدثت في النسيج الاجتماعي، فقد أكد الملك على أن روح البحرين وقوتها تُستمدُ من التآخي والتعايش والوسطية؛ وأن البحرين العربية والإسلامية وطن الجميع.

البحرين بلدٌ متعدد. قيمته في تعدديته وتنوعه ووسطيته وتسامحه.

قيمة البحرين في ألوانها المتعددة التي لا يستطيع أي لونٍ أن يغلب غيره، ولا أن يلغيه. وتلك قيمة للبحرين، يجب ان يحافظ عليها، وأن يستمتع المواطنون وغيرهم بهذه الألوان المتعددة، وفق القانون، وبما يحفظ الكرامة الإنسانية.

رابعاً ـ هناك ثلاث قواعد وضعها الملك كثوابت وطنية واجتماعية، تختزل مضامين الحقوق والواجبات، أولها: الوحدة الشعبية مقابل الفرقة؛ وثانيها: المواطنة بتجلياتها وبما يستتبعها من حقوق وواجبات.. مقابل التبعية فكراً وسياسة للخارج. وثالثها: الإصلاح والتسامح الديني والاجتماعي، مقابل التخريب والتطرف والعنف. هذه القواعد، يجب ان نحافظ عليها، بل ان نعض النواجذ عليها، وأن ننقلها للأجيال القادمة. فلا بحرين بدون وحدة مجتمعية صلبة، وبدون مواطنة حقيقية، وبدون تسامح وانسجام. بدون ذلك، لن يجني الشعب سوى الفرقة والتبعية والإرهاب والتطرف.

ولأننا نتحدث عن واقع وتطلعات، قال الملك: (سنعمل دوماً على رعاية قيم الاعتدال والتسامح والتعايش، قولاً وفعلاً، في مجابهة التطرف والتعصب، وعلى تعزيز قيم العمل السياسي القائم على مبادئ الميثاق والدستور، واحترام سيادة القانون، واستقلال القرار الوطني).

خامساً ـ في خطاب الملك الأخير، كما في خطابات أخرى سابقة، هناك اشارات واضحة الى أهمية (التراكمية) في البناء على المنجزات. وبتعبيره، فإن البحرين يجب ان تمضي في مسيرتها بإيمان وإدراك (بأن البناء على ما تحقق هو السبيل لترسيخ قواعد الدولة المدنية، القائمة على العدالة والمساواة دون إقصاء لأي أحد، بسبب أصله او فكره أو معتقده).

والمعنى هنا، هو انه مهما كان حجم الإنجاز، فهو جزء من بناء يكبر، او هو حلقة من حلقات تتسع، او هو مسيرة تتواصل. ما يقال هنا هو أن شعب البحرين يراكم في تجربته ومنجزه من اجل المستقبل. فمادامت الأسس قائمة، فإن البناء يتطاول ويعلو. وليس من الحكمة تدمير البناء القائم والبدء من جديد، وتضييع جهود عقود طويلة من الزمن. او نكون كالأمم التي (نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا).

سادساً ـ حقاً كما قال الملك، فإن (الأمن والتنمية متلازمان)؛ لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية او سياسية بدون استقرار أمني. لكن الإستقرار الأمني لا يمكن ان يتحقق على النحو الأفضل بدون تنمية متنوعة وشاملة.

الأمن والتنمية يتعرضان اليوم لتهديد الإرهاب، ومنجزات الدول تواجه تحدياً استثنائياً. إنه الإرهاب الذي يهدد الكثير من شعوب المنطقة، في هويتها وحاضرها ومستقبلها. ومن هنا لا بد من مواجهته بالتعاون، وبثقافة التسامح، وبالألفة وبالوعي، وبتعزيز الأمن، وبالإصلاح السياسي وغيره.