كيف تجعل البحرين التقارير الحقوقية أكثر إيجابية؟

يهم الدول عامة إضافة الى استماعها لجانب النقد لسجلها الحقوقي ـ وأكثر الدول في العالم لديها سجل قابل للنقد ـ إشارة الى الجهود التي تبذلها في تصحيح أوضاع حقوق الانسان لديها، والتي سبق وان تم نقدها في تقارير علنية. فكما كان النقد علنياً وفي تقارير حقوقية تصدر من جهات دولية عديدة، فإن الإشارة العلنية في التقارير نفسها الى ما تم من تصحيح واصلاح قد يكون ضرورياً لعملية حقوقية تطويرية متدرجة. قد تكون الإشارة الإيجابية بمثابة وقود لازم لعملية تطوير أوضاع حقوق الإنسان في معظم بلدان العالم. لماذا؟

صحيح أن من أولى مهمات المنظمات الدولية الحقوقية، رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ومطالبة الدول بإيقافها، ووضع القوانين لحماية حقوق المواطنين. وصحيح أيضاً ـ من الناحية النظرية ـ أنه ليس من مهمة المنظمات (الطبطبة) على الدول، وعدم مواجهتها الصريحة بانتهاكاتها. لكن الصحيح ايضاً، أنه اذا كان الهدف هو تطوير حقوق الإنسان في نهاية المطاف، فإن اختيار المقاربات يجب ان ينظر الى المآلات وتعديل الوسائل لتحقيق الغايات.

ذلك أن الدول ليس فقط يحكمها أشخاص، ويجري عليهم ما يجري على الأفراد العاديين، بل ان الدول كالأشخاص، لا تقبل دائماً الضغوط التي تعتقد أنها تخلّ بكرامتها، وقد تقوم بأعمال معاكسة للضغوط، وبدلاً من أن تتماشى مع القانون الدولي، ومع التزاماتها وتعهداتها، قد تلجأ لإرسال رسائل سلبية لدول ومنظمات حقوقية، كرد فعل على طريقة مقاربتها في العلاقة معها.

وهنا، فإن الضغط، وممارسة المزيد من الضغط، ليس حلاً دائمياً. قد يكون الضغط مفيداً لمجرد فتح الباب مع الدول المعنية، بغرض إقامة علاقة بناءة لتطوير أوضاع حقوق الإنسان. وهذا يستدعي التشجيع، والإطراء ربما، وعدم استصغار ما تنجزه الدول، والإشارة الى ما حققته من تطور في تقاريرها، ليكون بمثابة الدافع للإستمرار، بحيث تتوازى الضغوط مع التشجيع، للإرتقاء بملف حقوق الإنسان ومنع الانتهاكات.

ولهذا تتوق الدول لمعرفة انعكاسات ما تقوم به على سمعتها الخارجية، وعلى نظرة المجتمع الدولي الحقوقي اليها؛ فإذا لم تجد التقدير الكافي، او وجدت الإهمال التام، توقفت بكل بساطة، خاصة اذا ما استمر الضغط الاعلامي والسياسي عبر التقارير والتحشيد ضدها. وخاصة ايضاً، اذا لم ترَ إنصافاً وحياداً في التقارير التي تتحدث عن الانتهاكات لديها.

مسؤولية الدولة

للعالم الحقوقي الدولي منطق مختلف عن منطق الحكومات الذي شرحناه آنفاً. يمكن تلخيص الأسس التي يقوم عليها الخطاب والموقف الحقوقي للمنظمات الدولية والمؤسسات وحتى الدول، كالتالي:

أولاً ـ لا يوجد تبرير لانتهاكات حقوق الإنسان في أي بلد. حتى وإن كان هناك قصوراً في البنية التشريعية والمؤسساتية. فهذا يمكن طلب عون المجتمع الدولي لتطويره والمساعدة بشأنه. ثم إن الدول عامة محكومة بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي تلزمها بحماية وتعزيز حقوق الإنسان. وبالتالي فإن الإخلال بتلك الإلتزامات يعرّضها للمساءلة الداخلية والخارجية.

ثانياً ـ إن احترام كل دولة لحقوق مواطنيها يفترض أن يكون أمراً بديهياً، فما قامت الدول الا من اجل حماية وصيانة تلك الحقوق. وبالتأكيد فإن قيام دولة ما بواجبها الحقوقي تجاه شعبها، لا يحتاج الى شكر، فالمنفعة هي للدولة شعباً وحكومة، قبل أيّ أحدٍ آخر.

ثالثاً ـ ان التركيز على النقد دون المديح، إنما لتذكير الحكومات بواجباتها، وبالتزاماتها القانونية، الوطنية والدولية. هذا النقد، وإنْ نُظرَ اليه على أنه تدخّل في شأن داخلي لدولة أخرى، إلا أن القانون الدولي اليوم يمنح المجتمع الحقوقي الدولي الحق فيما يقوم به.

البحرين 2016

هذا يدفع الحكومات الى التفكير في (الإصلاح) و (إيقاف الانتهاكات) كواجب اخلاقي وقانوني. ثم من المؤكد أن تعزيز حقوق الإنسان في أي بلد، سينعكس ايجاباً على سمعة الدولة خارجياً، كما سينعكس على التقارير الدولية التي تصدر، حتى وان كانت تتخصص في النقد ورصد الانتهاكات.

بمعنى آخر، فإنه وبغض النظر عن حجم الإشارة والإشادة بالتطورات الحقوقية ومنجزات الحكومة المعنية في التقارير الحقوقية الدولية، فإن جهود الإصلاح الحقوقي والإستمرار فيه، والإصرار عليه، لا بدّ وأن تفرض نفسها على كل المجتمع الدولي؛ فضلاً عن نتائجها الإيجابية على المستوى الوطني، في تقوية بنية الدولة ومؤسساتها، وتلاحم شعبها، واستقرارها السياسي والاجتماعي والأمني.

كيف يمكن للبحرين أن تجعل التقارير الحقوقية التي تصدر هذا العام 2016 أكثر إيجابية من التقارير التي صدرت في الأعوام الأربعة السابقة؟

لا شك أن الطريق واضحة في هذا الشأن؛ فكما نقول للمجتمع الحقوقي الدولي أن يكون أكثر انصافاً وحياداً وايجابية في تغطية التطورات الإيجابية الحقوقية في البحرين، فإننا في المقابل أيضاً نقول للبحرين بأن تضع خارطة طريق حقوقية، تجيب على بواعث القلق، وتحقق منجزاً فيها، بحيث تُلزم تلك المنظمات الدولية على تضمين تلك المنجزات في تقاريرها لهذا العام 2016.

نحنُ، والمجتمع الحقوقي الدولي، نعتقد بأن بوسع البحرين أن تساعد على خروج التقارير بشأن أوضاع حقوق الإنسان فيها بصورة أكثر إيجابية، إذا ما راعت الجوانب الهامة الآتية:

أولاً ـ هناك العديد من الدول والمؤسسات الحقوقية الدولية التي تقدم دعماً فنياً للبحرين في مجالات شتّى بهدف تطوير أوضاع حقوق الإنسان فيها. وهذه المؤسسات والدول التي استثمرت بجهودها وأموالها وخبراتها في البحرين، تتوقع أن يؤتي الإستثمار هذا بنتائج ملموسة. وبما أن الدعم من قبل تلك الجهات والمؤسسات لازال مستمراً.. فإنه من المهم والضروري لها أن تقف على حجم المنجزات على ارض الواقع.

ثانياً ـ أن تصدر البحرين تقارير دورية حول مدى تنفيذ توصيات آلية المراجعة الدورية الشاملة التابعة للأمم المتحدة، وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وأن تبدي البحرين استعدادها لإستقبال المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة.

ثالثاً ـ لقد انجزت البحرين الكثير في الملف الحقوقي، ولكنها لم تقم بما فيه الكفاية بتعريف المجتمع الدولي الحقوقي بتلك المنجزات، وهذا لا يتم فقط عبر الاعلام، وإنما عبر التواصل والتعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، وخصوصاً منظمات حقوق الإنسان الدولية.

رابعاً ـ على البحرين تقديم تقرير واف بما إتخدته وتتخذه من خطوات على صعيد معالجة بواعث القلق التي عبر عنها أعضاء مجلس حقوق الإنسان، بشكل دوري، حتى يمكن رصد المسيرة التطورية في أوضاع حقوق الإنسان. وهي مسيرة قد تكون أكثر وضوحاً حين يتم توضيح التطور الحاصل في تنفيذ تقرير بسيوني، الذي أضحى مرجعاً وطنيا ودولياَ.

خامساً ـ أن تتجه البحرين نحو الانفتاح على المنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية، وأن تبدي إستعدادها للترحيب بتلقي زيارات منها. ذلك أن علاقة التعاون تتخذ كمؤشر إيجابي في صدقية الدولة وجديتها في وقف الإنتهاكات، وإصلاح أوضاع حقوق الانسان.

سادساً ـ أن تتخذ البحرين الخطوات المطلوبة باتجاه تعزيز الإستقرار السياسي والإجتماعي، ومواجهة التحديات المتغيرة والمستجدة؛ ذلك أن الإستقرار السياسي يمثل عنصراً أساسياً في حماية واحترام حقوق الإنسان.

سابعاً ـ أن تؤكد الحكومة البحرينية بالدليل العملي على إنفتاحها على مؤسسات المجتمع المدني البحريني، وعلى سعيها للتعاون والتشاور معها بشأن ملفات حقوق الإنسان، وإشراكها في كل ما يتصل بتنفيذ توصيات آلية المراجعة الدورية الشاملة.

مصالحة المجتمع المدني البحريني وإشراكه في الجهد الحقوقي الرسمي مطلب دولي. وان الاستمرار في القطيعة او المواجهة، يجعل العالم بطبعة ميالا الى المجتمع المدني وتصديقه، ولا يلتفت الى ما تقوله الحكومة كثيراً، كما لا يقدر جهودها. إن افضل شهادة تقدمها البحرين عن منجزاتها، لا تتم مباشرة بالضرورة عبر القنوات الرسمية او الإعلام فحسب، بل عبر مجتمع مدني حقوقي حقيقي قوي له دور فاعل ومستقل، وشريك في صناعة المنجز، وهو من سيدافع ـ حينها ـ عن منجزات الحكومة الحقوقية، لأنه شريك اساس في تحقيقها، ويعدها من منجزاته أيضاً، وهو يريد أن يبني عليها لغد أفضل.

ثامناً ـ إيقاف الانتهاكات، كي يلتفت العالم الى الإنجازات. فلا يقولنّ أحد أنها غير موجودة، إذ لا توجد دولة في العالم تخلو منها. والمعطى الأساسي هنا، هو أن تكرار وتكاثر الانتهاكات، ولو كانت صغيرة وفردية، فإنها تُشغل المنظمات الحقوقية والمجتمع الحقوقي برمته بها، فيسلط عليها الأضواء، ولا يلتفت الى المنجزات، التي تضيع في مهبّ الاخطاء المتكررة والمستمرة.

لهذا كلّه، ومن أجل أن يكون عام 2016 إيجابياً ومثمراً، ويمثل تحولاً في نظرة المجتمع الدولي الحقوقي تجاه أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، فإنه لا بديل من وضع خطة عمل تنجز النقاط الواردة أعلاه، وما سيتم يمثل منجزاً للبحرين كحكومة، وفائدة عظمى للمجتمع، ونقطة تطور في مسيرة البلاد الحقوقية والسياسية والاجتماعية.