إستقلالية المؤسسة الوطنية أساس نجاحها

مثّل التقرير السنوي للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مفاجئة للمتابعين والمهتمين سواء في مضمونه او مهنية تناوله للموضوعات، ونضجه في تقديم الإقتراحات والتوصيات.

ومما لا شك فيه أن التقرير ـ رغم احتوائه النقد الموضوعي لكثير من قضايا حقوق الإنسان في البحرين ـ يقدّم صورة إيجابية عن المؤسسة الوطنية، وما تتمتع به من هامش استقلالي كبير، كما وأنه يعزّز مصداقية المؤسسة على الصعيدين المحلي والدولي. ونحن في مرصد البحرين لحقوق الإنسان، نعتقد بأن المؤسسة الوطنية قد حققت إنجازاً، ليس فقط لإصدارها مثل هذا التقرير، وإنما لأنه يكشف أيضاً ـ وهو المهم ـ عن جهود كبيرة قامت بها المؤسسة في الفترة الماضية من أجل الإيفاء بالمسؤوليات التي عليها وفق نظام تشكيلها؛ وهي جهود لم يكن الرأي العام المحلي او الدولي مطّلعاً عليها، وجاءت في سياق التقرير، مما فاجأ الجميع.

نحن نؤمل هنا، بأن تعزّز المؤسسة الوطنية مكانتها المحلية ولدى العالم الحقوقي بمزيد من مثل هذه الأعمال والنشاطات، وأن تنفتح على العالم المحلي قبل الدولي، لتكون مرجعية حقوقية أساسية للدولة والمجتمع، وأن تقوم بدور محوري في حل وتطوير قضايا حقوق الإنسان.

نتمنى للمؤسسة ـ أعضاء وعاملين ومسؤولين ـ الإستمرار في هذا النهج المهني والموضوعي، وأن تُبنى عليه نشاطاتهم المستقبلية، من خلال متابعة تنفيذ التوصيات، ومساعدة الحكومة في حلّ الإشكالات الحقوقية ما أمكنهم، داعين في نفس الوقت مؤسسات الدولة الى مزيد من التعاون مع المؤسسة الوطنية، تنفيذاً لما ورد في الأمر الملكي بتشكيلها.

وبمقدار ما يعدّ التقرير مكسباً للمؤسسة الوطنية، فهو أيضاً مكسب للحكومة التي انتقد التقرير أداءها.. ذلك أن تقبّل هذا النقد والإعتراف به، والإلتزام بتنفيذ التوصيات التي وضعها التقرير، يعزّز من مصداقية الحكومة من جهة جدّيتها في التعاطي مع الملف الحقوقي، وكذلك جدّيتها في توفير الأجواء الموائمة لعمل المؤسسة الوطنية لتكون بعيدةً عن الضغوط المانعة لاستقلال عملها ومواقفها، كما نصت على ذلك مبادئ باريس.

بمقدار الإلتزام بمبادئ باريس، يمكن أن تنمو لدينا مؤسسة وطنية حقوقية تتمتع بالمصداقية والفاعلية والمهنية. وبالعكس، فإن التخلي عن تلك المبادئ يفرغ المؤسسات الوطنية الحقوقية عامة من قيمتها ومن رصيدها المعنوي ومكانتها المفترضة، وبالتالي لا تخدم لا حقوق الإنسان ولا الأنظمة التي تؤسسها.

لكي ندعم المؤسسة الوطنية، فنحن مطالبون أولاً بتنفيذ توصياتها، وزيادة تعاون المؤسسات الحكومية والوزارات معها، بتوفير المعلومة، او بالإفساح للتحقيق، أو بالإجابة على تساؤلاتها واستفساراتها، أو غيرها. ومن جهة ثانياً، على المسؤولين أن يجنّبوا المؤسسة الوطنية التدخّلات او الضغوط في حال وجدت، وان يتم تشجيعها والثناء عليها ومنحها الثقة لتكون صوتاً حقيقياً حقوقياً يعبّر بصدق عن واقع المجتمع والدولة.

أما مؤسسات المجتمع المدني، وبالذات منظمات حقوق الإنسان الأهلية، فنحن ابتداءً نطالبها بأن تنظر بعين الإنصاف لتقرير المؤسسة الوطنية ولنشاطها المبثوث فيها، بعيداً عن التجاذبات السياسية والتصنيفات النمطية. كان المتوقع أن يقرأ المجتمع المدني البحريني التقرير، وأن يرحّب به علناً؛ لكن الموقف النمطي لدى البعض جعله غير قادر حتى على النظر في التقرير، فضلاً عن تكلّف اصدار موقف إيجابي منه، كونه يخدم قضية حقوق الإنسان، وليس بغرض استخدامه كأداة إدانة لذات النظام، من باب: (من فمك أُدينك)!

لم نرَ من مؤسسات المجتمع المدني المحسوبة على تيارات المعارضة موقفاً إيجابياً تجاه التقرير الذي يؤكد أن المؤسسة الوطنية قد طلبت مساعدة جمعيات حقوقية محلية ولكنها لم تتفاعل مع الطلب. لكن لنا أمل أن يكون التقرير فاتحة لعلاقة جديدة بين المؤسسة الوطنية وجميع مؤسسات المجتمع المدني البحريني. وغالباً ما تطالب المنظمات الدولية والأمم المتحدة من المؤسسات الوطنية ان تتعاون وتتفاعل وتشجع مؤسسات المجتمع المدني للإنخراط في برامجها وأنشطتها الحقوقية، وأن تتشاور معها في تقاريرها، ورسم سياستها وخططها وبرامجها، وحتى في تنفيذ تلك الخطط والبرامج وتقييمها. فكيف يمكن ان يتم ذلك، اذا كان المجتمع المدني مقاطعاً سلبياً ولا يستطيع النظر للأمور بموضوعية وإيجابية؟

بقي أن نشير الى حقيقة أن البحرين تحقق بعض النقاط المضيئة الإيجابية في مسيرتها الحقوقية، لكنها متفرقة في أغلب الأحوال، ولا يتم البناء عليها وتطويرها وتوسعتها. من حق الحكومة ان تشكو بأن كثيرين لا يلتفتون الى الجوانب الإيجابية. هذا صحيح الى حد كبير. لكن من الصحيح أيضاً ان هذه الإيجابيات كثيراً ما تضيع أولا بسبب الصراع السياسي، فهناك من لا يرى سوى السواد ويهمه ترويج الأخبار السلبية فقط؛ ومن جهة ثانية فإن هناك أخطاء رسمية تقع فتغطي على الجوانب الإيجابية التي أنجزتها الحكومة بجهد جهيد. ثم هناك بعض القضايا لا تُنجز بالكامل، ولا يتم متابعتها بشكل جيد حتى تؤتي ثمرها.

نأمل أن يؤتي مشروع (المؤسسة الوطنية) ثماره ولو بعد حين، متمنين من كل الحريصين رعاية هذه النبتة حتى تصبح شجرة وارفة الظلال!