لا ديمقراطية بدون حقوق إنسان

البحرين.. موعد مع التغيير والإصلاح

في عام ١٩٩٣، ذكر إعلان وبرنامج عمل فيينا الذي اعتمده المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، أن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضاً

الديمقراطية وحقوق الإنسان يعملان في خط متوازٍ واحد. لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ثابتة أو ناشئة، بدون أن يكون هناك احترام لحقوق المواطنين وفق المعايير الدولية. وبقدر ما تكون هناك انتهاكات، فإنها تعتبر مؤشراً على انحدار التجربة الديمقراطية، ومهددة لوجودها إن لم يتم تلافي النواقص وإصلاح الأوضاع.

ومن المعلوم ان هناك ترابطاً قوياً بين حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهما من المكونات الأساسية للديمقراطية كمفهوم. فالبلد الذي لا يحترم سيادة القانون، لا بد وأن تنتهك حقوق الإنسان فيه، وأن لا تحترم حريات مواطنيه الأساسية. ومن يحترم القانون وسيادته فإنما يحترم إرادة الشعب مصدر السلطات. كما أن الإمتثال للنظام والقانون يضمن عدم التمييز ويمنع التحيّز والتعسّف ويوقف غائلة الإستبداد وإساءة استخدام السلطة.

اليوم تقف البحرين على مفترق طرق، والآمال الشعبية تتجه الى الحوار الوطني بغية إعادة انتاج نظام سياسي ديمقراطي توافقي. وهنا ينبغي على اللاعبين السياسيين أن يدركوا حقيقة أن بناء نظام سياسي مستقر يرتكز على العدالة والمساواة والمشاركة الشعبية، لا يمكن له أن ينهض بدون إيقاف غائلة الطائفية والعنف والتعصب. لا تستطيع البحرين بناء نموذجها السياسي إن لم يلتفت المسؤولون الى عوامل الإنتكاس لأية نظام سياسي ديمقراطي ثابت أو في طريقه للنشوء، مثل: إساءة استعمال السلطة، والفساد الاقتصادي والسياسي، والإفلات من العقاب، وتقييد الحريات الأساسية.

سيادة القانون، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، ثلاثة عناصر أساسية؛ وغياب أحدها يمنع تحقق أيّ منها.

من لا يحترم القانون لا يريد ديمقراطية ولا حقوق إنسان. بل هو يفشل عن عمد التجربة، ويهدر حقوق المواطن الأساسية.

ومن يسعى لسيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان، فعليه أن يدرك بأنها لا يمكن أن توجد في مناخ ديكتاتوري، بل في أجواء الحرية والديمقراطية.

والديمقراطية عدو لدود لانتهاكات حقوق الإنسان، ويستحيل أن تكون فيه بلد ما ديمقراطية، ويكون فيه في ذات الوقت حقوق إنسان تنتهك بلا علاج.

البحرين بحاجة الى ولادتين: ولادة تخرجها من الأزمة من خلال إنجاح الحوار الوطني. والولادة الثانية تتمثل في استنبات نظام سياسي يعمل على إرساء الديمقراطية ويشترك في بنائه الجميع. وكلتا الولادتين صعبتين، لكن الأمل بتحققهما كبير في المستقبل المنظور.

ندرك أن المسار ينطوي على بعض الصعوبات والتعقيدات، ولكن جميعنا يعلم بأن الديمقراطية لا تُبنى في يوم وليلة، بل هي عملية طويلة ومستمرة تترسخ مع الزمن، وتتطلّب استثماراً وعملاً مؤسسياً وجهوداً جماعية ووعياً من القوى السياسية والمجتمعية.

وبحسب تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان في ديسمبر 2012، حمل عنوان: (دارسة عن التحديات المشتركة التي تواجهها الدول في إطار جهودها الرامية إلى ضمان الديمقراطية وسيادة القانون من منظور حقوق الإنسان)، فإن إنجاح الديمقراطية يتطلب من الدول احترام سيادة القانون، خاصة الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، وكذلك استقلال البرلمان ومساءلته، وإيجاد الضوابط والموازين المؤسسية التي تضمن عدم الإفلات من العقاب، وإساءة استعمال السلطة، والحماية من الفساد.

وأوضح التقرير أن من علامات الديمقراطية السليمة: القضاء على العوائق أمام المشاركة في الحياة العامة، وصناعة القرار، والحد من التفاوت في الأجور، وتحسين إمكانية الحصول على الفرص الاقتصادية، وشبكات الضمان الاجتماعي. كما أوصى بضرورة إيجاد حكم جامع وتشاركي في ظل آليات للمساءلة ووجود علاقات بناءة بين الدولة والمجتمع.

وأكد التقرير بأن الديمقراطية تتطلب أن يتمكن كل مكونات اﻟﻤﺠتمع المدني من ممارسة حقها في المشاركة في مؤسسات وآليات صنع القرار، وأن تشارك بفاعلية في عمليات إرساء الديمقراطية. ورأى التقرير بأن التحريض على الكراهية او التمييز أو التعصب لأي سبب يشكل تهديداً للديمقراطية ويتعين التصدي له. كما حذر من اساءة استغلال قوانين مكافحة الإرهاب كذريعة لتقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

البحرين على موعد مع الإصلاح والتغيير والإستقرار. فليكن البناء صحيحاً، ولتكن الرؤية المستقبلية بعيدة المدى، ولتهتم كافة الأطياف السياسية بالمستقبل والصالح العام، وليخرجوا من أسر الماضي والحاضر والمنافع الفئوية.