إحترام حقوق الإنسان طريق للإستقرار
د. لؤي ديب
|
د. لؤي ديب |
رئيس الشبكة الدولية للحقوق والتنمية
إذا نظرنا لتقرير بسيوني فهو يؤسس لمفاهيم متقدمة للتغيير المنشود
في البحرين مع مراعاة خصوصيتها. لقد احدثت توصيات التقرير حالة من
العدالة الإنتقالية غير المكتملة، وشكلت استجابة للكشف عن انتهاكات
الماضي، وتحقيق الاعتراف بما كابده الضحايا، وعززت إمكانيات السلم
الأهلي، والمصالحة، ودولة سيادة القانون والديمقراطية.
يمكن اعتبار التوصيات شكلاً من أشكال التكييف والتقديم للعدالة
على النحو الذي يلائم المجتمع البحريني، في أعقاب حقبة مؤسفة من انتهاكات
حقوق الإنسان، والعنف المتبادل. لا بد من الإقرار هنا بأن ملك البحرين
قد اتخذ قراراً تاريخياً بالإصلاحات السياسية حين وصل الى الحكم، وبعد
تفجر الأزمة اتخذ قراراً استثنائياً آخر بتشكيل لجنة بسيوني وتعهد
بتنفيذ توصيات تقريرها.
يجب أن يصاحب التحول الديمقراطي في البحرين خطوات للعدالة الإنتقالية،
تتمثل في السماح باقامة الدعاوى الجنائية، والتحقيقات القضائية مع
المسؤولين عن الإنتهاكات، ولجان الحقيقة التي تكتب التاريخ الماضي،
وبرامج التعويض وجبر الضرر وإصلاح الأجهزة الأمنية، وهو ما تمّ فعلاً
بخطوات إن لم تكن مكتملة من الحكومة، فهي متقدمة، وإن لم تعط الشعور
بالرضا الكامل، ولم تنه الأزمة، الأمر الذي يتطلب البحث عن أسباب ذلك،
وفي مقدمتها انعدام الثقة السياسية، والخوف من المستقبل، ووجود خطاب
تحريضي.
إن ما تم من خطوات حكومية أمرٌ مهم، وإيجابي، لكن هناك ضبابية في
الصورة الكلية للمشهد البحريني وكيف يجب أن يكون، وهناك لا تزال نواقص
عديدة بحاجة الى استكمال والى مبادرات خلاّقة لإصلاح النسيج الاجتماعي
الممزّق.
إن تعزيز الثقة في مجتمعات ما بعد الأزمة، مرهون بمجموعة اجراءات
يكمل بعضها بعضاً؛ فبدون أي جهود للكشف عن الحقيقة، أو التعويض، قد
ينظر الى معاقبة مجموعة من الجناة على أنه شكل من أشكال الانتقام السياسي.
والكشف عن الحقيقة بمعزل عن الجهود الرامية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات
او التجاوزات او اصلاح المؤسسة الأمنية، يمكن للبعض ان يعتبره أقوالاً
بلا أفعال. إن التعويضات غير المرتبطة بدعاوى جنائية، يمكن أن يعتبره
البعض محاولة لشراء صمت الضحايا، أو كسب رضاهم (هذا لا ينطبق على برنامج
التعويضات الذي أقرته الحكومة البحرينة). وبالمثل فإن إصلاح المؤسسات،
بدون شراكة سياسية للقوى الفاعلة لا يفلح في تحقيق النتائج المرجوة.
نحن نؤمن بأن حق المواطنين في معرفة الحقيقة يماثل حقهم المشروع
في الحياة والحرية والسعي المشروع لتحقيق الرفاهية والتنمية. ويبقى
تحقيق السلام والديمقراطية والتغيير ممكناً بنسب متفاوتة بين دولة
وأخرى؛ لكن كشف الحقيقة واجب مهما كانت الظروف. إن أتقن صناع القرار
في البحرين ذلك وتعاونت معهم القوى السياسية الأخرى، فإن من شأن ذلك
أن يحقق الهدف الأسمى في المحافظة على السلم الأهلي، والتطور الديمقراطي،
واعطاء المجتمع البحريني القدرة على منع تكرار أحداث الماضي.
والأمر الذي لا يقل أهمية، هو الحوار الوطني، الذي سيعزز الديمقراطية
التوافقية والتعايش المشترك، ودولة القانون؛ وهي الأهداف الرئيسية
التي يصبو اليها كل بحريني؛ لتجاوز المحنة وجراح الماضي.
اضافة الى ذلك، هناك حاجة ماسة الى الحوار الداخلي بين فئات المجتمع
والجمعيات السياسية وبينها وبين الحكومة، كما أن الحاجة ماسّة الى
المشاركة النشطة لكل القوى الفاعلة في العملية السياسية. النوايا الطيبة
حتى وان توفرت في اللاعبين السياسيين فإنها لا تكفي لحل المشكلة؛ بل
يجب أن نرى تمظهراً لتلك النوايا على شكل أفعال قائمة.
لمنع استمرار التصدّع في المجتمع البحريني، فإن الهوية الوطنية
بحاجة الى زخم، والى اعادة هيكلة على أسس متينة، ثقافية وسياسية، وعلى
معايير المواطنة المتساوية وفي دولة الحرية والقانون.
هناك دول مرت بأزمات استطاعت شعوبها أن تقفز من العدالة الإنتقالية
الى العدالة التصالحية، فدوّنت الأخطاء بدون خجل، وتسامحت مع المسؤولين
عن الفصول السوداء، مع شفافية وجرأة في الإعتراف بالتجاوزات من كل
الأطراف، وعزيمة قوية على وضع أسس تشريعية تمنع اعادة سيناريو الماضي.
وبالرغم من ضرورة العقاب كعامل ردع، فإنه لا ينبغي أن يكون هدفاً بحدّ
ذاته، بقدر ما يهم النتيجة وهي: أن لا تكون هناك عودة للماضي. فقانون
العقوبات لا يستطيع وحده ان يصنع الأخلاق ومفاهيم التعايش المشترك،
والحفاظ على كرامة الإنسان. فالأخلاق لا إلزام فيها ولا جزاء؛ وهي
أمر ينبع من داخل الأفراد ومن ايمانهم بالآخر وحقوقه. وعليه يجب ان
تكون نظرتنا وتوصياتنا مهتمة بالحزمة العقابية كعامل وقاية مستقبلي،
وليست كرغبة في إنزال العقاب بحق من تمادوا وانتهكوا.
لقد انطلقت الحركة السياسية في البحرين بمطالب جميلة ومشروعة، لكن
في نهاية المطاف تحولت الأمور الى انشقاق في المجتمع سياسيا وطائفيا،
وظهر العنف المتبادل، كما ظهر خطاب طائفي قبيح، قرأناه واستمعنا اليه،
وهو مرفوض وشديد الضرر، ولا بد أن يتوقف هديره حتى لا يصيب شعب البحرين
اكثر مما أصابه.
الخطاب الطائفي شكل طعنة عميقة في جسد المجتمع البحريني، جعلته
متشظيا جريحاً، لا يحتاج معه المرء الى تقرير طبي ليؤكد ذلك. يجب تحرير
الثقافة الوطنية وسائر آليات التفكير والنشر والإعلام من طاغوت الطائفية
التي لا يمكن وصفها إلا بأنها دوامة من الضياع والعبث، يكون الخاسر
الوحيد فيها هو الشعب البحريني.
الحكومة والمعارضة مسؤولان عن مستقبل البحرين، وعليهما أن يكونا
مرنين في مطالبهما من أجل إعادة بناء النسيج الاجتماعي، والإستقرار
السياسي والأمني وتحقيق التنمية المتوازنة ضمن منظومة اجماع وطني حقيقي.
وبلا شك فإن بعضاً من توصيات بسيوني تشير الى هذا الأمر، وتطبيقها
المحترف يمكن أن يشكل سفينة انقاذ للجميع. هناك تجارب بشرية غنيّة
يمكن للاعبين السياسيين ان يستفيدوا منها، وان يشكلوا تجربة البحرين
الخاصة بها، بحيث تنقلهم من الأزمة الى الإستقرار.
|