المنظمات الدولية والحقوقية بين تقريري (بسيوني) و(الصالح)

تقرير بسيوني اهتم ـ كما هو معلوم ـ بتشخيص الأزمة البحرينية، والتحقيق فيها، خاصة في جانبها الحقوقي، وتحميل المسؤولية على الأطراف التي قامت بانتهاكات حقوق الإنسان، وبالأخص الحكومة، كما اهتم بتقديم المقترحات والتوصيات للخروج منها. أي أن تقرير بسيوني وصّف الأعراض، وقدّم توصيات الحل، على أمل أن يأتي من ينفّذ تلك التوصيات التي قبلت بها الحكومة.

من البديهي أن تهتم الجهات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك الجمعيات السياسية، والدول المعنيّة والمهتمّة بالملف البحريني، بهذا التقرير وتوليه أهمية كبيرة؛ لأسباب متعددة، بحيث وجدت بعض المنظمات الحقوقية فيه تأكيداً لمصداقية بياناتها وتقاريرها عن البحرين؛ وبعض الجمعيات السياسية اهتمت به من جانب أنه يمثل إدانة للحكومة البحرينية، وسعت للإستفادة منه في هذا الإتجاه في تعزيز مواقفها ومطالبها السياسية؛ فيما رأت دول غربية في التقرير الخطوة الأولى باتجاه حل المشكلة السياسية والحقوقية البحرينية.

لهذا، نال تقرير بسيوني اهتماماً دولياً كبيراً، سياسياً وإعلامياً وحقوقياً غير مسبوق، واعتبر مرجعية في توثيق الإنتهاكات، كما في توصيف العلاج.

ولكن، حين نأتي الى تقرير (الصالح) أي تقرير اللجنة الوطنية المعنيّة بتنفيذ توصيات بسيوني، نرى أن الإهتمام يتضاءل، رغم أنه معنيّ بصورة مباشرة بالخطوات التي يجب اتخاذها للخروج بحل. إن اعتبار تقرير بسيوني مهماً لمجرد أنه يدين الحكومة ويوثق الإنتهاكات أمرٌ خاطئ، فالغاية النهائية من التقرير، اضافة الى تحميل المسؤولية للحكومة، هو (الحل). تقرير بسيوني رسم طريق الحل، ويفترض أن يكون هناك اهتمام من كل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بهذا الحل.

تقرير (الصالح) التنفيذي يهتم بتعديل مسار الدولة الحقوقي؛ أي أنه معنيّ بهيكلة الدولة والنظر في تشريعاتها، وتعديل قوانينها، وإصلاح مؤسساتها، ووضع آليات وقائية تقلّل الى حد الإلغاء المنافذ التي تأتي منها الإنتهاكات لحقوق الإنسان؛ أي أن تقرير (الصالح) ـ بالإضافة الى اهتمامه بحلحلة التجاوزات التي وقعت منذ فبراير ومارس 2011 ـ معني بمعالجة الجذور المسببة لتجاوزات حقوق الإنسان. وهذا، ما يشار الى أهميته دائماً في الأدبيات الحقوقية حين النظر الى الحلول لواقع أي دولة تجري على أرضها انتهاكات لحقوق مواطنيها؛ فالمعالجات الموضعية لا تكفي بدون الإصلاح الهيكلي العام لمؤسسات وثقافة وتشريعات وممارسات الأجهزة الحكومية، وحتى المجتمع.

ولهذا، فإن هناك تساؤلاً يُطرح إزاء عدم الإهتمام الكافي بتقرير (الصالح)؛ نقداً وتصويباً وتقييماً، من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. فالمتابع للشأن الحقوقي لا بدّ وأن يلاحظ بأن معظم المنظمات الحقوقية الدولية وحتى البحرينية لم تعلّق على التقرير لا سلباً ولا إيجاباً، وكأنه عديم الأهمية. فهل كان التقرير كذلك؟ وهل كان انشغال تلك المنظمات بمتابعة الحالات الفردية والتجاوزات منذ تقرير بسيوني يعتبر مبرراً لإهمالها تقرير الصالح؟

نحن ندرك أن من صلب عمل المنظمات الحقوقية الدولية توثيق الإنتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان سواء وقعت في البحرين أو غيرها من الدول.

ولكننا ندرك أيضاً بأن هذه المنظمات الكبيرة والعريقة، تفهم ماذا يعني تطبيق توصيات بسيوني، وما هو أثرها الإيجابي الإستراتيجي ـ إن استكمل تطبيقها ـ على مسيرة حقوق الإنسان في البحرين؛ وكنا ننتظر من تلك المنظمات، بما لديها من أفكار وتجارب ورؤى، تقييماً لتقرير (الصالح) ونقداً موضوعياً له؛ ومتابعة لصيقة لتطبيقات توصيات بسيوني، والتأكد مما تقوله الحكومة من ان أجهزتها ماضية في استكمال عملية التطبيق. لا أحد هنا يبحث عن تصفيق لتقرير (بسيوني) أو (الصالح)، وإنما إلفات النظر الى المسار الإستراتيجي العام للحلول المطروحة؛ إذ لا يخدم الجمود السياسي، والإضطراب الأمني، موضوع حقوق الإنسان في البحرين، وبالتالي لا بد أن يساهم الجميع في البحث عن مخارج حقيقية، تعالج الإنتهاكات التي حدثت، وتؤسس لمرحلة لا تتكرر فيها مجدداً.

تقييم هيومن رايتس ووتش لتقرير (الصالح)

يحسب لهيومن رايتس ووتش أنها المنظمة الدولية الوحيدة التي قدّمت تقييماً جزئياً لتقرير (الصالح) وما تم تنفيذه من توصيات بسيوني، وذلك في 28/3/2012 في تقرير معنون بـ (البحرين: إلتزامات الإصلاح الحيوية التي لم يتم تلبيتها). وبغض النظر عن اللغة المستخدمة في التقرير، ومساحات من نقص المعلومات، والتركيز على موضوعات بعينها في جوانب النقص، فإن التقرير قدّم تقييماً يمكن الإستفادة منه جزئياً، رغم اعتراف المنظمة بأنها لم تستطع تقديم تقييم لجميع جوانب تقرير الصالح بسبب ما قالت أنه قيود على زياراتها الى البحرين.

تقرير المنظمة عرض جوانب عديدة مما أسماه بـ (الخطوات الإيجابية) التي تمّ تنفيذها؛ كما عرض بعضاً من توصيات بسيوني؛ والجوانب التي لم تنفذ أو تم تنفيذها ناقصاً، مع أن هيومن رايتس ووتش اشارت الى (أن الحكومة البحرينية لم تنفذ أهم التوصيات) في تقرير بسيوني. وهنا، لا يبدو الكلام دقيقاً، حين النظر الى تقرير (الصالح) كما أن هناك اختلافاً في تعريف التوصيات المهمة والأكثر أهمية، وهي تختلف باختلاف الإهتمامات والقراءات. وبديهي أيضاً، أن تقرير (الصالح) لم يقل بأنه تم تطبيق كل التوصيات، فذلك يحتاج الى زمن؛ والحكومة ممثلة في الملك أشارت الى ضرورة استمرار التطبيق. لكن يمكن وضع ملاحظات وتقييمات تقرير هيومان رايتس ووتش في النقاط التالية:

1/ تعرّض تقييم هيومن رايتس ووتش بالتركيز على التوصية رقم 1716 المتعلقة بمساءلة المسؤولين الذين ارتكبوا اعمالاً مخالفة للقانون في موضوع التعذيب والقتل بمن فيهم ذوي المناصب القيادية. وتقول هيومن رايتس ووتش بأنها (لا تعلم بأية جهود مبذولة) في هذا الإتجاه، بالرغم من أن عملية التحقيق زادت وتوسعت وشملت عدداً أكبر من المتورطين.

2/ تساءلت هيومن رايتس ووتش عما إذا كان إشراف مكتب النائب العام على التحقيقات يستجيب لتوصية بسيوني رقم (1722 أ) والتي تدعو للتحقيق في الإنتهاكات التي وقعت عبر (هيئة مستقلة ومحايدة وفقاً لمبادئ اسطنبول). مع ملاحظة أن بسيوني يوصي بإنشاء هيئة أخرى دائمة للتحقيق في كل شكاوى التعذيب (توصية رقم 1722 ب). وللعلم، فإن هناك مشروع قانون عرض على البرلمان، يتعلق بإنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان، وفق مبادئ باريس، يكون من مهماتها تولّي التحقيق في كل شكاوى التعذيب وسوء المعاملة.

الحكومة، وبالنسبة للهيئة الأولى، استشارت خمسة خبراء اجانب، ورأت أن يقوم النائب العام بالتحقيق، وقد قام الأخير بإرسال رسالة الى هيومن رايتس ووتش يقول فيها: (لا شيء يحول دون اتخاذ تدابير ضد أي مسؤول ثبت تورطه في الأحداث، بغض النظر عن وظيفته أو رتبته).

3/ يقول تقرير ووتش التقييمي بأنه (لم يتم تنفيذ المراجعة الشاملة للأحكام التي طالت أشخاصاً بسبب جرائم التعبير، وإلغاء الإدانات التي صدرت في محاكمات جائرة). هذا الأمر يتعلق بالتوصية رقم 1722 ح؛ وقد اطلق سراح العديدين، كما هو واضح في سجلات لجنة (الصالح) ورسائل النائب العام الى هيومن رايتس ووتش التي وردت في تقرير التقيم. لكن الأخير ربط ذلك بموضوع القيادات السياسية المعتقلة وعددهم 21 شخصاً، والذين لاتزال قضاياهم امام القضاء.

وهناك توضيح من قبل وزارة حقوق الإنسان بناء على تقرير هيومن رايتس ووتش، صدر في 1/4/2012، قالت فيه: (إن تنفيذ التوصيات عملية لاتزال جارية، ولم يمر سوى 130 يوماً منذ تقديم ونشر تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، ولذلك فمن السابق لأوانه إجراء تقييم نهائي بشأن ما ادعته المنظمة من التزامات الإصلاح التي لم تتم تلبيتها).

وبشأن إحالة التحقيق في الإنتهاكات الى النائب العام الذي اعترضت عليه هيومن رايتس ووتش، قالت الوزارة: (في الوقت الذي تضع الوزارة في الاعتبار اختلاف وجهات نظر الخبراء القانونيين، إلا أن حكومة البحرين اعتمدت على المشورة التي يقدمها عدد من الخبراء القانونيين الرواد في العالم في هذا المجال، ولديها الثقة الكاملة في المشورة القانونية المقدمة والمتبعة؛ وتشمل قائمة الخبراء كل من: دانييل بيت لحم، محامٍ دولي معروف، وعمل سابقاً مستشاراً قانونياً رئيسياً لوزارة خارجية المملكة المتحدة؛ وجيفري جويل، أحد المحامين المرموقين بالمملكة المتحدة في القانون الدستوري؛ وديفيد بيري، لمراقبة الجودة، وهو واحد من المحامين المرموقين بالقضايا الجنائية في المملكة المتحدة؛ وسارة كليفلاند، أستاذة قانون حقوق الإنسان، بجامعة كولومبيا؛ وعدنان امخان، أستاذ القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي).

وعموماً، فإن التقييم الجزئي لهيومن رايتس ووتش لتقرير (الصالح)، هو أفضل بكثير من إغفال التقرير وتجاهل أهميته.