البحرين: تنفيذ التوصيات والحوار

يضبطان إيقاع الشارع للخروج من الأزمة

لاتزال مملكة البحرين تعيش أوضاعاً أمنيّة وسياسية محتقنة، وقد تصاعدت حدّتها في الآونة الأخيرة، في ظل تصعيد من المعارضة، إن كان في خطابها السياسي أو في الشارع؛ حيث دعا الشيخ عيسى قاسم الى ما أسماه بـ (سحق) من يتعدّى من رجال الأمن على النساء، الأمر الذي زاد من وتيرة الأزمة، والعنف في الشارع.

أعقب هذا، زيارة جديدة لرئيس لجنة تقصي الحقائق الدكتور بسيوني للبحرين بدعوة من عاهل البحرين، وذلك لتقييم عمل الحكومة فيما يتعلق بتوصيات تقريره الذي قدّمه في 23 نوفمبر الماضي، والذي كان المراقبون الحقوقيون والسياسيون والمهتمون بالشأن البحريني يعتقدون بأن تنفيذ تلك التوصيات ستشكل اختراقاً لواقع الأزمة البحرينية، وبداية لحل جوانبها المتعددة بما فيها الجانب السياسي، الذي نُظر اليه بشكل كبير على أنه يختزن جذور الأزمة الأمنية والإجتماعية.

ويقول مراقبون بأن الجدل الدائر في البحرين يتمحور حول قضيتين أساسيتين: الأولى تتعلق بما تمّ إنجازه من توصيات تقرير بسيوني؛ والثانية تتعلق بالمصالحة الوطنية، أي بالحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة، والتوصل الى حلول دائمية تنهي المشكلة من جذورها وتعيد بناء النسيج الإجتماعي الذي تأثر كثيراً بسبب دخول العامل الطائفي على خط الأزمة.

تنفيذ التوصيات

في حديث للشرق الأوسط (7/2/2012) قال رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، حسن موسى الشفيعي، بأن تقرير بسيوني مثّل فرصة للخروج من الأزمة، وأن المنظمات الحقوقية والدولية، فضلاً عن الدول الصديقة والحليفة قابلت التقرير بترحيب بالغ، وتمنّت الإسراع في تنفيذ التوصيات خاصة تلك المتعلقة بالتجاوزات التي وقعت أثناء الأزمة، من أجل خلق أرضية مشتركة بين اللاعبين السياسيين، وإيجاد قدر من الثقة يسمح بالإنتقال الى الملف السياسي، والتوافق على الإصلاحات المطلوبة التي ترضي جميع مكونات المجتمع وقواه السياسية.

وتابع الشفيعي، بأن المعارضة لم تقبل المشاركة في تشكيل اللجنة المناط بها تطبيق التوصيات، وبدا أن هناك أطرافا داخل السيستم سعت الى عرقلة التطبيق، فيما كان جلالة الملك وولي عهده يحثّان الخطى باتجاه التنفيذ السريع، بعيداً عن تعقيدات البيروقراطية، وحتى لا تظهر مشاكل مستجدة بسبب المواجهات والتظاهرات المستمرة.

وفيما يتعلق بمنجزات الحكومة في تطبيق التوصيات، قال الشفيعي بأنه لا يعقل أن لا يكون جلالة الملك جادّاً في تطبيق التوصيات وهو الذي دعا لجنة التحقيق للعمل؛ وأضاف بأن حجم التوصيات كان كبيراً ويتطلب جهوداً هائلة، وخبرات متعددة في شتى الجوانب، بعضها لا يتوفر في البحرين، في حين أن الفترة الممنوحة للتطبيق لا تزيد عن ثلاثة اشهر، وهي فترة ليست كافية بأية حال، خاصة وان بعض التوصيات يتطلب صياغة قوانين وتشريعات تحتاج الى مناقشة البرلمان وتصديقه.

وأكمل: لكن ضمن التوصيات المتعلقة بالمدى القريب والمتوسط، فإن الأجهزة الرسمية والوزارات طبقت العديد من التوصيات سواء بشكل شبه كامل أو بشكل جزئي، خاصة ما يتعلق بإعادة المفصولين عن أعمالهم، وإطلاق سراح معتقلين على خلفية ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع، أو ما يتعلق بإعادة الطلبة الى جامعاتهم، والبدء بإعمار المنشآت الدينية التي تعرضت للهدم أو التخريب، وتخفيف غلواء الطائفية في الإعلام الرسمي وغيرها، واتخاذ خطوات أكثر جدية بشأن تعويض المتضررين من الأحداث ويفترض أن تبدأ الخطوات الفعلية قريباً؛ وغير ذلك من القضايا.

وبشأن موقف المعارضة من هذه المنجزات، قال الشفيعي بأن الإختلاف بين المعارضة والحكومة لا يتعلّق بعدم وجود منجزات في تطبيق توصيات تقرير بسيوني، بل في تقدير حجم ما أنجز. لن تفاجأ إن سمعتَ من معارضين اتهامات للحكومة بأنها تتهرّب من تنفيذ التوصيات، حيث يتعمّد المعارضون تقليص حجم المنجز، بالنظر الى عدم الثقة في الحكومة والبعد عن واقع العمل اليومي للجان المناط بها التنفيذ. وفي المقابل ستجد مبالغة بين بعض المسؤولين في الحكومة ممن يروجون مقولة بأن الحكومة نفّذت جميع التوصيات، وأكثر من ذلك.

وفيما يتعلق بالمؤسسات الحقوقية الدولية والعربية، قالت أوساط حقوقية بأن تقارير حقوقية صدرت عن البحرين وأشارت الى بطء عملية تطبيق التوصيات، وهناك بعض المنظمات كأمنستي تميل الى تقييم الوضع حال انتهاء عمل لجنة تنفيذ التوصيات. لكن هناك اعتراف من الجميع بأن التنفيذ الكامل يتطلب مدّة زمنية طويلة وجهوداً وخبرات وتعاون مع المؤسسات الدولية بما فيها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة.

متابعون سياسيون للشأن البحريني أبدوا قدراً من التخوف من حقيقة أن عمل لجنة بسيوني والتوصيات التي أطلقها تقريره، واللجان التي أمر ملك البحرين بتشكيلها لتطبيق التوصيات، لم تنجح بما فيه الكفاية في تحقيق الإختراق المطلوب؛ ما يشير الى صعوبة المشاكل والتحديات؛ وعمق أزمة الثقة بين الأطراف السياسية ومراوحتها مكانها؛ وكذلك يشير الى حدّة الإنقسام المجتمعي على خلفية طائفية؛ فضلاً عن وجود متشددين بين اللاعبين السياسيين ممن لا يميلون الى الحلول الوسطى، ويرون اعتماد سياسات كسر العظم للآخر.

الحوار والحلول السياسية

إزاء هذا، سألت الشرق الأوسط عن المخرج للأزمة، خاصة وأنه طفا الى السطح والإعلام مبادرات وتصريحات رسمية لولي عهد البحرين، ورئيس الوزراء، تتعلق بموضوع الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة كأحد المخارج. رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان بيّن وجهة نظره بالتأكيد على أن أزمة البحرين سياسية في العمق؛ وأن هناك مشاكل أخرى جاءت تبعاً لتلك الأزمة، وبينها المشكلة الطائفية الحادّة، ومشكلة تجاوزات حقوق الإنسان وغيرها. وأضاف: (لا غنى عن الحوار السياسي بين طرفي الحكومة والمعارضة. وبصراحة هناك خوف من التصعيد الى العنف في الشارع، وقد رأينا بعض بوادر ذلك. كان يمكن للحوار السياسي أن يأتي بعد تهدئة الوضع واستتباب عامل الثقة من خلال تطبيق توصيات بسيوني؛ ولكن التصعيد الذي حصل وسقوط المزيد من الضحايا، والخشية من العنف، يفرض على الجميع ـ بنظري ـ الذهاب فوراً الى الحوار وعدم التأجيل. بحل الملف السياسي ـ عبر التوافق بين القوى الثلاث الأساسية: العائلة المالكة؛ والمعارضة الشيعية؛ والقوى السياسية السنيّة ـ ستتفكك المشكلات الأخرى. هذا ما نأمله، وهذا هو المخرج المتاح حالياً).

الحكومة البحرينية أجرت في أغسطس الماضي حواراً وطنياً شاملاً، ويقول مشاركون في الحوار أنه تطرق لكل المواضيع السياسية والإجتماعية والأمنية، وقد رفع المشاركون مرئياتهم الى القيادة لتطبيقها، فلماذا يراد إجراء حوار آخر، سبق للمعارضة أن انسحبت منه، وهل يمكن أن ينتج حلاً حقيقياً؟ حسن الشفيعي يرى بأن الحوار عملية مستمرة لا يجب ان تتوقف، وأن الحوار يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، لكن المهم ـ من وجهة نظره ـ هو أن الحوار تتأكد حاجته مع (المختلف) لأنه طرف في المشكلة السياسية، وبالتوصل الى حلول معه تنتهي تلك المشكلة، وتؤسس لاستقرار سياسي واجتماعي مستدام، وهذا لا يعني تجاهل وتهميش الأطراف السياسية الأخرى. وأضاف: (مع تقديرنا للحوار الوطني الذي جرى في اغسطس الماضي، ومع تقديرنا لمرئيات المتحاورين، فإن غياب المعارضة هي نقطة الضعف الأساس فيه).

وفي سؤال للشرق الأوسط حول مدى مصداقية المعارضة التي قامت في الآونة الأخيرة بالتصعيد في الشارع، ما يعني أنها لا تريد الحوار، خاصة وأن هناك أطرافاً محسوبة على المعارضة الشيعية ترفض بصراحة أية حوار من هذا النوع وتدعو لاسقاط النظام. أجاب الشفيعي: (في رأيي ـ وبصراحة ـ فإن تصعيد الوفاق لمواقفها يستهدف: الحوار مع الحكومة، وليس العكس. هناك من يعتقد بأن التصعيد الذي رأيناه في الخطاب وفي الشارع، كان مجرد رسالة الى الحكومة. وأنا أضيف بأن خطاب الوفاق تصاعد في جزء منه للسيطرة على الشارع حتى لا يذهب بعيداً باتجاه العنف والفئات الأكثر تشدداً والتي لا ترغب في الحوار). وأكمل بأن التصعيد في الإجراءات الأمنية، وسقوط العديد من الضحايا، يساهم في انفلات الشارع أيضاً.

القوى الحقوقية والدولية

على صعيد آخر تشكو الحكومة وفئات اجتماعية من انحياز الجهات الحقوقية لصالح المعارضة، وهناك من يشير الى تواطؤ قوى دولية (امريكا وبريطانيا والإتحاد الأوروبي) في ممارسة ضغوط على الحكومة، وهي تستخدم التقارير والبيانات والتصريحات الحقوقية لفرض أجندتها على البحرين، وتحويلها الى نموذج عراقي آخر. يفسر رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان هذا الحماس الدولي بشيء مختلف عن مسألة التواطؤ، وبرأيه فإن الغرب لا يريد تغييراً راديكالياً في البحرين، وهو حريص على بقاء نظام الحكم القائم. وأضاف بأن هناك أسباباً للحماس الغربي، أولها بأن الدول الغربية تخشى استمرار عدم الإستقرار في البحرين، والذي قد يتطور الى العنف، وقد يتسع أيضاً ليشمل مناطق أخرى، مشمولة بإطار المصالح الغربية. وأضاف: (إن عدم الإستقرار في البحرين يفسح المجال للقوى المعادية للغرب بالتدخل في شؤون البحرين. ومن جهة ثالثة، فإن هناك حرجاً غربياً من حجم انتهاكات حقوق الإنسان والتي وثّقها تقرير بسيوني، والغرب متهم دائماً بأنه يعمد الى المعايير المزدوجة في موضوع حقوق الإنسان وغيره، وقد أصبح موضوع احترام حقوق الإنسان جزءً من مرتكزات العلاقات الدولية، والتي لا يمكن قبول الإنتهاكات وفق أي مبرر).

وأكمل في السياق نفسه: (الأهم في موضوع الحماس الغربي، هو أن مملكة البحرين تبنّت مشروعاً إصلاحياً في شتى جوانبه السياسية والحقوقية والإجتماعية قبل اكثر من عقد؛ وكان التراجع في هذا المشروع أو التنكّر له يمثل خسارة كبيرة للبحرين وشعبها ونظام الحكم فيها، كما أنه مثّل خسارة لآمال الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان، التي كانت ترى في المشروع السياسي بأنه يمكن أن يتحول الى نموذج يحتذى به في المنطقة. وبالتالي اعتبر ما جرى من انتكاسة في الأشهر الماضية أمراً مؤلماً ومقلقاً ومخيّباً للآمال؛ ومن هنا تأتي أهمية تطبيق رؤية جلالة الملك التي تفيد بأن مهما واجهت البحرين من تحديات وصعوبات إلا أن المشروع الإصلاحي يجب أن يستمر عبر إيجاد الحلول للمشاكل القائمة، وتقديم المبادرات الجريئة كما عودنا جلالته).

الإنقسام الطائفي

يرى الشفيعي بأن الأزمة السياسية عمقت الإنقسام الطائفي في البحرين، كما أن الإنقسام نفسه أصبح أحد أهم معوّقات الحل السياسي. وأضاف بأن من صنع الأزمة الحالية ليس التراث الخصامي العقدي والجدلي بين الشيعة والسنّة، وإنّما السياسيون الذين أرادوا استثمار العامل الطائفي لتحصين مواقعهم أو تحشيد جمهورهم أو دعم مواقفهم. لكن الشفيعي يستدرك فيقول بأن الإنشقاق الإجتماعي عمودياً لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، لأن الجميع يستشعر عظم الخسارة التي سببتها الأنانية السياسية؛ سواء على صعيد المجتمع؛ أو على صعيد الإستقرار السياسي والأمني.

أما المخرج من الأزمة، فأكد الشفيعي على أهمية التوافق السياسي الذي سيرتق الفتق ويوقف النزيف، مع اعترافه بأن الشرخ عميق، وهو يحتاج الى سنوات طويلة للشفاء، خاصة في ظروف المنطقة التي فتحت فيها الطائفية فمها في أكثر من مكان. ورأى الشفيعي بأن وعي المواطنين بمخاطر الطائفية على مصالحهم ومستقبلهم سيساهم في تقليص مرحلة العلاج؛ وحمّل رجال الدين والمثقفين والسياسيين مسؤولية إحداث الشروخ، وطالبهم القيام بعمل وحدوي وطني صادق، مضادّ للنهج السابق، يصلحون به ما أفسدوه من أمر مجتمعهم ونظام حياته.

وأخيراً دعا الشفعي الى ضرورة سد الأبواب من تسرّب مشاعر الكراهية من الخارج الى الداخل البحريني؛ كما حث الإعلام الرسمي ـ لما له من دور محوري وتأثير كبير في الحفاظ على اللحمة الوطنية ـ بأن يقوم بمهامه الوطنية، واعتماد خطاب وطني وحدوي جامع يفسح المجال لكل الآراء والقوى والأفكار، مؤملاً أن الحكمة ستتغلب في النهاية. ولاحظ حسن الشفيعي أن الخطاب الطائفي في البحرين قد تراجع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة الماضية؛ وبقي أن تنال الآثار السلبية الماضية تضميداً وعلاجاً كافيين.