رئيس اللجنة الوطنية في حوار مع (المرصد البحريني)

التوصيات تنفّذ بشكل متسارع، والمصالحة الوطنية أولوية

الأسئلة كثيرة تلك التي يتم تداولها حول مصير التوصيات التي وردت في تقرير (بسيوني)، سواء كان في البحرين، أو في المحيط العربي، أو بين المنظمات الحقوقية الدولية، بل وحتى بين الدول المهتمة بالشأن البحريني. لقد كانت مرحلة تقصي الحقائق ذات أهمية بالغة لتحديد مواقع الخلل والزلل ولوضع الأسس الصلبة من أجل تصحيح الأوضاع، وإيجاد الحلول، واستعادة المواطن البحريني لأوضاعه الطبيعية.

أدت لجنة تقصي الحقائق ما عليها بحرفية عالية، وخلص تقريرها إلى توصيات تحمل فى طياتها أهم العناصر المطلوبة لمعالجة جذور وأسباب وتداعيات الأزمة، بما يساعد على رأب الصدع، وتوفير المناخ الملائم لتمكين أبناء البحرين، على إختلاف إتجاهاتهم، من إستشراف آفاق المستقبل بعزيمة صادقة، وإحساس عميق بوحدة الإنتماء والمصير.

هذه التطورات الإيجابية تمّ تلقيها بقدر من التفاؤل لا يخلو من التوجس، فتقرير بسيوني وما تضمنه من توصيات يمثل فرصة تاريخية، ونقطة إرتكاز تتيح للبحرين تجاوز هذا المنعطف الحرج في تاريخها؛ ولكن الجميع يدرك أيضاً صعوبة المرحلة وتحدياتها التي قد تؤثر على قدرة الحكومة في تنفيذ التوصيات، خاصة وأن هناك من يشكك في جديتها لتحقيق ذلك.

بدأ عاهل البحرين بتشكيل لجنة وطنية تعنى بتنفيذ توصيات (بسيوني)، ووضع بعض التشريعات السريعة في مجال تعويض الضحايا، وتم تحديد مدّة زمنية للإنتهاء من عملية التنفيذ تنتهي في فبراير ثم مددت نحو ثلاثة اسابيع لتضع اللجنة الوطنية تقريرها النهائي في مارس الحالي.

المجتمع المحلي كما المجتمع الدولي بأسره يرنو نحو البحرين لرؤية ما الترجمة الفعلية لتوصيات تقرير بسيونى. وطيلة الفترة الماضية كانت هناك تساؤلات حول ما تمّ تنفيذه، رغم أن اللجنة الوطنية المعنية بالتنفيذ خصصت للرأي العام موقعاً الكترونياً تبيّن فيه خطواتها وانجازاتها. التوضيحات المتكررة من ذوي العلاقة وتزويدهم المراقبين بالمعلومات والبيانات لم تكن كافية كما يبدو، حيث لازالت الصورة الكاملة مشوبة بالضبابية، وهي ضبابية لن تنتهي إلا بإصدار اللجنة الوطنية تقريرها النهائي.

لهذا رأينا في (مرصد البحرين لحقوق الإنسان)، مخاطبة رئيس اللجنة الوطنية، السيد علي بن صالح الصالح، وطرح بضعة أسئلة مختصرة ومختارة على معاليه، ليجيب عليها ويوضح جانباً من الصورة، خاصة بالنسبة للأسئلة الأكثر تداولاً في الساحتين المحلية والدولية، والتي ترتبط بشكل مباشر بموضوع حقوق الإنسان، وبالمخرج من الأزمة. وقد تفضّل معاليه مشكوراً بالإجابة عليها، منتظرين التفصيل في التقرير النهائي الذي سيصدر قريباً.


س: واحدة من أهم المسائل التي تشغل بال الخارج هي قضية المصالحة الوطنية، فهناك انشقاق سياسي ترتب عليه انشقاق طائفي، وقد شكلتم لجنة بهذا الشأن، ماذا أنجزتم في هذا الأمر، وما هي العقبات التي تواجه عمل اللجنة في هذه المسألة بالخصوص؟


إن تحقيق المصالحة الوطنية بمفهومها الواسع، يعد أولوية في المرحلة الحالية، ويحظى العمل على تحقيقها باهتمام كبير من المملكة على مستوى القيادة السياسية والحكومة والأفراد كذلك، ونحن في اللجنة الوطنية ننظر لتقرير لجنة تقصي الحقائق كمخرج من هذه الأزمة التي تركت بصماتها السلبية على النسيج المجتمعي البحريني، فكان الهدف الأساسي من قرار جلالة الملك الحكيم بتشكيل هذه اللجنة هو أن تكون منطلقاً لمرحلة جديدة من المصالحة والتعايش المجتمعي.

وقد أولت اللجنة الوطنية منذ تشكيلها في 26 نوفمبر 2011م لموضوع تحقيق المصالحة الوطنية أهمية كبيرة في عملها لإدراكها التام بضرورة العمل السريع على إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن، واتخذت أولى الخطوات عبر تشكيل فريق عمل من أعضاء اللجنة يعنى بشكل مباشر بالنظر في التوصيات الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ذات الأبعاد المتعلقة بمجال المصالحة الوطنية، التي نظرت بدورها في كل من التوصية (1724) و (1725).

ووفقا لما ورد في هاتين التوصيتين من أمور تختص بالإعلام والتعليم، فإن اللجنة تنظر إلى المؤسسات الإعلامية والتربوية في المملكة كشريك مهم في تحقيق المصالحة الوطنية، وبناء على ذلك خاطبت اللجنة الحكومة بعدد من الاقتراحات التي ترى أهميتها للدفع تجاه تنفيذ هاتين التوصيتين، من بينها وضع استراتيجية إعلامية وطنية عامة تقوم على تعزيز القيم الوطنية المشتركة، والتسريع في إجراءات إصدار مشروعات قوانين بشأن تنظيم صناعة الطباعة والنشر المقروءة والمسموعة والمرئية، وصياغة ميثاق شرف إعلامي يكون موجَّهاً لمرحلة المصالحة الوطنية، مع التأكيد على وضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع التسامح الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون.

كما خاطبت اللجنة الحكومة من أجل العمل على وضع برنامج للمصالحة الوطنية يتناول الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث يكون لها الاستعانة بخبرات دولية في هذا الشأن، مع مراعاة مبادئ حقوق الإنسان والمبادئ الدستورية.

وترى اللجنة أن تنفيذ هذه التوصيات يسير بالشكل المطلوب، حيث تم تزويد اللجنة بعدد من الإجراءات التنفيذية المتخذة من قبل وزارة التربية والتعليم في إطار تنفيذ التوصية المتعلقة بها، وكذلك من قبل هيئة شؤون الإعلام.

ولعل من أبرز الخطوات التي ترى اللجنة أهميتها على صعيد التسريع في المصالحة الوطنية: ما تم اتخاذه في سبيل تنفيذ البندين (ي) و (ك) من التوصية (1722) فيما يخص تعويض عائلات الضحايا المتوفين، وضحايا التعذيب، وسوء المعاملة والحبس الانفرادي، عبر إصدار جلالة الملك بتاريخ 22 سبتمبر 2011 للمرسوم الملكي رقم (30) لسنة 2011 بإنشاء صندوق تعويض المتضررين، والذي تلاه إصدار الحكومة للمرسوم رقم (13) لسنة 2012 بشأن نظام عمل هذا الصندوق.


س: قضية أماكن العبادة ذات بُعد حسّاس داخلياً وخارجياً، وقد وعدت الحكومة بحلّ المشكلة، ولجنتكم الموقرة ورثت المسؤولية، ما هي الخطوات العملية المنجزة في هذا الصعيد؟


هذه القضية تقع ضمن متابعة اللجنة الوطنية لتنفيذ التوصية (1723) والتي تم تكليف رئيس اللجنة بمتابعة تنفيذها بشكل مباشر مع الحكومة، نظراً لارتباطها بأبعاد إنسانية، وقضايا ملحة لا تحتمل التأخير، ومن بينها إعادة بناء أماكن العبادة، حسب ما ورد في البند (د) من هذه التوصية.

وبشأن هذه القضية صدرت توجيهات من جلالة الملك بشأن قيام الحكومة بإعادة بناء بعض المنشآت الدينية وفقاً للنظم الإدارية على نفقتها، وبدأت الحكومة بالفعل في تنفيذ هذه التوجيهات، حيث تم تشكيل لجنة لدراسة مسألة إعادة إعمار الأماكن الدينية، وفي 12 يناير 2012، أعلنت الحكومة عن القيام بإعادة إعمار 12 مسجداً، حيث تم البدء في بناء 5 مواقع والتي كان سبق وأن صدر لها أمر ملكي ورخصة للبناء، فيما ستبدأ عملية إعادة إعمار الـ 7 مساجد المتبقة قريباً، علماً بأنه جاري العمل على دراسة وضعية باقي المواقع من أجل اتخاذ الإجراءات الرسمية والقانونية اللازمة، كما تقوم وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بالتنسيق مع جميع الوزارات ذات العلاقة، وكذا إدارة الأوقاف الجعفرية، لمتابعة العمل على دور العبادة وذلك وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة.


س: هل انتهت قضية إعادة المفصولين عن العمل في القطاعين الخاص والعام؟ والى أي حدّ هو دقيق ما ينشر عن شروط مفروضة على العائدين الى أعمالهم من المفصولين؟


قضية المفصولين عن العمل في القطاعين الخاص والعام تقع ضمن التوصية (1723) وهي كما ذكرت سابقاً التوصية التي تم تكليف رئيس اللجنة بمتابعتها بشكل مباشر للدفع تجاه الإسـراع في تنفيذها، وخلال هذه المتابعة لمسنا جديّة من الحكومة في العمل على طيّ هذا الملف بشكل سريع، فنجد أن الغالبية العظمى من الموظفين في القطاعين العام والخاص قد تمّ إعادتهم لأعمالهم، وكذلك الطلبة الجامعيين المفصولين.

فجميع الموظفين من القطاع العام الذين تمّ فصلهم بسبب نشاطهم لممارستهم الحق في حرية التعبير لم يتبقَ منهم إلا عدد محدّود، جاري العمل على إعادتهم. أما بشأن مفصولي القطاع الخاص، فإن الغالبية العظمى منهم قد عادوا بالفعل إلى أعمالهم، أو في طور استكمال إجراءات العودة إلى وظائفهم، أو أعيد توظيفهم في شركات أخرى، وذلك وفقا للبيانات التفصيلية التي تسلمتها اللجنة من وزارة العمل، وهي الجهة المعنيّة في المملكة بمتابعة أوضاع العاملين في القطاع الخاص بشكل عام.

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال زيارة رئيس لجنة تقصي الحقائق البروفيسور محمود شريف بسيوني إلى البحرين أوائل شهر فبراير 2012، أشار إلى أن هناك إنجاز على صعيد إعادة المفصولين تنفيذا لهذه التوصية، وأن الحكومة تتابع شكاوى البعض منهم حول إعادتهم لوظائف مغايرة لوظائفهم السابقة.

ونؤكد هنا، أنه من الأهمية أن يتم توجيه كافة جهود أصحاب العمل والعمال نحو تسوية أية مسائل أو خلافات ناتجة عن الأحداث المؤسفة التي مرّت بها مملكة البحرين في شهري فبراير ومارس الماضيين، بما يعزّز العلاقات الايجابية التي تخدم المصالح المشتركة للشركاء الاجتماعيين.


س: الى أيّ حد تعتقدون بأن منجزات لجنتكم الموقرة قد مهّدت الطريق لإعادة الثقة المفقودة بين مكوني المجتمع؛ وكذلك بين المعارضة والحكومة؟


عمل اللجنة الوطنية المتمثل في المتابعة والتحقق من تنفيذ التوصيات على حدّ سواء، والذي هو دور واضح ومحدد وفقا لما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق والأمر الملكي الصادر بتشكيل اللجنة، هو عمل موجّه لكافة البحرينيين، وما ستخرج به اللجنة من نتائج سيعم بخيره على الجميع.

فنحن نعمل على أن تكون اقتراحاتنا التي تحال للحكومة في سبيل ضمان التنفيذ الكامل للتوصيات، كصمام أمان يحول دون تكرار ما مرّت به المملكة من أحداث، وهو ذات الهدف الذي جاء من أجله قبول القيادة السياسية بنتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق، والتي جاء تشكيلها في خطوة غير مسبوقة على المستوى العربي، وقد يكون على المستوى الدولي كذلك، بحيث تشكل لجنة لتقصي الحقائق بطلب من الدولة نفسها.

وقد توجهت اللجنة الوطنية بأكثر من دعوة للقوى السياسية المعارضة للمشاركة في عمل اللجنة، من باب حرصنا على أن يكونوا متواجدين ضمن أعضاء اللجنة من باب المشاركة في القرار والرأي، والباب لا زال مفتوحاً أمامهم للمشاركة.

إن الجديّة في تنفيذ التوصيات عبّر عنها جلالة الملك المفدى، وهو رأس الدولة، حال صدور هذه التوصيات، وتحت مظلة توجيهات جلالته تعمل الحكومة بكل جهد لتطبيق التوصيات على أرض الواقع. وحتى اليوم يمكن القول ومن خلال ما لمسناه في اللجنة الوطنية من تعاون من جانب الحكومة، أن خطوات تنفيذ التوصيات تسير بشكل متسارع، حيث يفوق المنجز منها ما هو متبقي، وهو الأمر الذي أكّده رئيس لجنة تقصي الحقائق البروفيسور محمود شريف بسيوني خلال زيارته الأخيرة للبحرين، حيث أكد أن حكومة مملكة البحرين ـ وبناء على توجيهات جلالة الملك ـ متجاوبة بشكل تام وكامل مع توصيات اللجنة.

ولا يمكن أن نغفل حقيقة أن بعض هذه الخطوات تحتاج لبعض الوقت لكي تؤتي نتائجها، ومن ذلك تعديل التشريعات والقوانين، نظراً للإجراء الذي ينبغي ان تمرّ به، ولكن في المجمل، فإن عمل اللجنة الوطنية يسير بكل سلاسة، ونتوقع أن يضع تنفيذ هذه التوصيات الأسس القوية والصلبة لعودة الأمور إلى سابق عهدها في المملكة، للمضي قدماً في طريق الإصلاح والتطوير، انطلاقا من كون مسيرة الإصلاح هي مسيرة مستمرة في أي بلد ينشد التطور الديمقراطي.


س: فيما يتعلق بتعويض المتضررين من أحداث الماضي، وصدور مرسومين ملكيين بهذا الخصوص، ماذا أنجزت لجنتكم الموقرة في هذا الموضوع؟


كما أشرت سابقاً، ننظر لهذا الموضوع كأحد جوانب تحقيق المصالحة الوطنية، وأكدت اللجنة على أهمية أن يتم اتخاذ إجراءات التعويض والبدء بها بشكل سريع، خاصة في ظل صدور المرسوم الملكي رقم (30) لسنة 2011 بإنشاء صندوق تعويض المتضررين، والمرسوم رقم (13) لسنة 2012 بشأن نظام عمل الصندوق والذي يقضي بتشكيل لجنة إدارة الصندوق الوطني لتعويض للمتضررين.

وقد خاطبت اللجنة الوطنية الحكومة بشأن عدد من الاقتراحات والتي ترى اللجنة أنها ستساهم في الإسراع بإجراءات التعويض، وقد تم بالفعل الأخذ بها، وتتمثل في تخصيص محاكم للنظر في دعاوى التعويض، بالإضافة للمبادرة التي تقدمت بها اللجنة بشأن التسوية المدنية عبر تشكيل لجنة في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بغرض تسريع تسوية الدعاوى خارج المحاكم، لتسوية مطالب المتضررين بشكل رضائي، ويستفيد من هذه المبادرة عائلات المتوفين، والأشخاص ذوي الاصابات الجسدية من العام الماضي، أو أي شخص يتوجب عليه اللجوء للمحاكم المدنية ضد الدولة لحصوله على أي تعويض كان.