الملك يرسم ملامح مستقبل البحرين لما بعد تقرير بسيوني

قبل أن يصدر تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، طرحت عشرات التساؤلات والإستفهامات بين المهتمين بالشأن البحريني السياسي والحقوقي. بعض تلك التساؤلات لها علاقة بالتقرير وتوصياته بل وبعمل اللجنة في الأساس، ومدى حياديتها وكيف ستنفذ توصياتها، ومدى جدّيّة السلطة التنفيذية في الإستجابة لمتطلبات الوضع. كثير من الأسئلة أجاب عنها تقرير اللجنة، فقد أكّد حياديتها ونزاهتها وشجاعتها واهتمامها المخلص بإخراج البحرين من عنق الزجاجة. لكن الأسئلة المتعلّقة بكيفية تعاطي الحكومة مع التقرير وتوصياته بقيت مثار شك، لكن الملك وفي أول رد فعل علنيّ على التقرير، وبعد أن سمع من د. بسيوني حيثياته واستنتاجاته، أجاب على عدد من التساؤلات وبدّد معظم المخاوف والهواجس بشكل لا لبس فيه.

د. بسيوني يسلّم ملك البحرين تقرير عمل لجنة تقصي الحقائق

تناول الملك في كلمته يوم 23/11/2011 (وهو يوم إطلاق التقرير) وفي محفل عام، وأمام أعضاء اللجنة، وحشد من الحقوقيين الدوليين والمحليين وممثلي منظمات المجتمع المدني المحلية، كما الإعلاميين المحليين والدوليين، وكل طاقم الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء وولي العهد، وأعضاء في البرلمان ومجلس الشورى، وممثلين عن الأمم المتحدة.. تناول الملك فيها القضايا الحساسة، وأجاب عنها بشكل مباشر.

الملك وصف التقرير بأنه يغطي مسائل خلافية، استطاع حسمها، وقال أن شعب البحرين باستفادته من مرئيات وتوصيات اللجنة (سيجعل من هذا اليوم يوماً تاريخياً في حياة الوطن)، ووصف يوم اطلاق التقرير بأنه (يوم الصفحة الجديدة في تاريخنا). بمعنى آخر، لا يمكن أن يمثل التقرير فاصلة تاريخية بين مرحلتين إلا بإحداث تغيير حقيقي مبني على توصيات التقرير.

كيف ستتعامل حكومة البحرين مع التقرير؟

هذا هو السؤال المفصلي، أجاب عنه الملك ابتداءً بالتأكيد على أن سبب تشكيل لجنة من الخبراء من خارج البلاد للنظر في مجريات أحداث فبراير وما تلاها من تداعيات هو (أن أية حكومة لديها الرغبة الصادقة في الإصلاح والتقدم، يجب أن تعي الفائدة من النقد الموضوعي الهادف والبناء). فالغرض هو إصلاح الأخطاء، وإن أدّى ذلك الى تحميل الحكومة معظم المسؤولية، وعليها أن تتقبل نتائج التحقيق. وشرح الملك ذلك بضرب مثال: (في أوروبا نرى بلداناً رئيسية اعتادت حكوماتها على التعرض للانتقاد من مؤسسات خارجية أسهمت هي نفسها في إنشائها. فمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية تعاقب دول أوروبية حين تنتهك حقوق الإنسان، والعديد من الدول الأوروبية الكبرى، وبالرغم من تاريخها العريق في مجال حقوق الإنسان، أدينت بالفعل في قضايا متعلقة بالحرمان من العدالة، وقضايا سوء معاملة بل وتعذيب المحتجزين. ولكن تلك الدول لا تشجب ولا تستنكر المحكمة الأوروبية. ولا تحتج أو تقاطع القضاة الذين انتقدوها. بل العكس ، فقد أبدت امتنانها للمحكمة على تبيان السبل التي تمكنهم من الإصلاح والتطوير إن أرادوا الانسجام والتوافق مع القانون الدولي والمبادئ الأخلاقية السامية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الدولي لم يعتبر تلك الحكومات ظالمة مستبدة. فالخلاصة هنا أنهم ينتهجون الحكمة، ويقدرون النتائج التي سيجنونها من التحقيق المحايد).

ملخص القول بأن البحرين كحكومة تقبل بالتقرير ونتائجه وتوصياته، وستعمل على تنفيذه، ولا تعتبر ذلك معيباً لها، فالمعيب هو عدم الإعتراف بالخطأ والإستمرار فيه، والتنكّب عن نهج الإصلاح. الملك وجه حديثه لأعضاء لجنة التحقيق وتساءل: (كيف سنتعامل مع تقريركم هذا لنحقق منه الفائدة القصوى؟). وهذه إجابات الملك بنصوصها.

1/ القطيعة مع ماضي الإنتهاكات: (إننا عاقدون العزم، على ضمان عدم تكرار الأحداث المؤلمة التي مرّ بها وطننا العزيز، بل سنتعلم منها الدروس والعبر، بما يعيننا ويحفزنا للتغيير والتطوير الإيجابي).

2/ وضع قوانين وتشريعات جديدة وإصلاح أخرى: (يتوجب علينا إصلاح قوانيننا لتتماشى مع المعايير الدولية، تلك التي تلتزم بها مملكة البحرين حسب الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها. وحتى قبل استلامنا لتقريركم، فقد بادرنا بتقديم مقترحات لتعديل قوانيننا لتوفير حماية أكبر للحق الأصيل في حرية التعبير، وتوسيع مفهوم التعذيب لضمان تغطية قوانيننا الجنائية لجميع أنواع سوء المعاملة حتى تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما نظرنا في مسائل الخطوات والإجراءات القانونية في المحاكمات الجنائية، وبالاخص في قضية الكادر الطبي التي يتم إعادة النظر فيها في المحاكم العادية. ونظرنا ولازلنا ننظر في موضوع المفصولين من أعمالهم ومن المؤسسات التعليمية. إضافة لكل ذلك فإنه سيتمكن أي متضرر من الاستفادة، من بين عدة أمور، من صندوق تعويض المتضررين الذي صدر قانون بإنشائه مؤخرا).

3/ محاسبة منتهكي القانون ومرتكبي التجاوزات: يوضح الملك ذلك بقوله: (إننا لن نتسامح ولن نتساهل مع سوء معاملة الموقوفين والسجناء، فإنه يؤسفنا ويؤلمنا معرفة أن ذلك قد حدث بالفعل للبعض حسب ما ورد في تقريركم؛ مؤكدين بأننا لن نضع أي عذر يقوم على خصوصية وطنية تستثنينا عن الغير). وأضاف: (لن يفوتنا أي وقت لا نستفيد فيه مما قدمتموه من توصيات. ونؤكد لكم بأن تقريركم هذا يمنح بلادنا فرصة تاريخية للتعامل مع أهم المسائل وأشدها إلحاحاً. فالمسئولون الذين لم يقوموا بواجبهم سيكونون عرضة للمحاسبة والاستبدال). وتابع: (يجب أن نثبت بأن مسؤولينا مساءلون أمام قانون ومحكمة عليا، بما يؤكد بأننا أمة تحترم مبادئ حقوق الإنسان).

4/ إشراك المنظمات الدولية والتعاون معها والإستفادة من خبراتها في تنفيذ توصيات تقرير اللجنة: (لضمان عدم العودة إلى الممارسات المرفوضة بعد انتهاء عمل لجنتكم الموقرة، فقد قررنا إشراك المنظمات الدولية المختصة والأشخاص البارزين لمساندة أجهزتنا الأمنية ومسؤوليها لتحسين إجراءاتهم). وأضاف: (إن مملكة البحرين تتحمل مسؤولياتها الدولية بكل أمانة بل وتبادر في المشاركة في العمل الجماعي الدولي بتوفير كافة التسهيلات للمنظمات الدولية). ولاحظ الملك أن تعاون البحرين مع المنظمات الدولية لا يقتصر على الشؤون الدولية وإنما أيضاً فيما يتعلق بالشأن الداخلي البحريني؛ يقول: (هذا التعاون في المجال الدولي لا يستبعد المجال الداخلي في مملكة البحرين، فمنذ يومين أعلنا إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بما يجعلها كجهاز مستقل لها نظامها الأساسي الخاص بها وتعمل حسب مبادئ باريس، التي تجسد المعايير الدولية لحقوق الإنسان المعنية بعمل المؤسسات الوطنية).

5/ المضي في الإصلاحات السياسية لتحقيق التوافق الوطني: يقول الملك: (..فوق ذلك كله سنضع وننفذ الإصلاحات التي سترضي كافة أطياف مجتمعنا. وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق التوافق الوطني ومعالجة الشروخ التي أصابت مجتمعنا)، وأضاف مخاطباً القوى السياسية والمجتمعية: (بعد أن أكدنا التزامنا بضمان أمن وسلامة الوطن والمواطنين، والتزامنا بالإصلاح ومعالجة الأخطاء بكل شفافية، فإننا نُهيب بالجميع أن يراجعوا أنفسهم، وأن يعالجوا أخطاءهم، وأن يقوموا بدورهم الوطني المطلوب في إعادة اللحمة الوطنية ضمن مجتمع متسامح). وأكد الملك حق المواطنين في المطالبة بالإصلاح التوافقي الذي يتناقض مع الدعوة الى الإنقلاب على النظام السياسي: (إننا نتعاطف مع جميع من طالب، وبكل أمانة وسلم، بالإصلاح ضمن مجتمع تعددي تُحترم فيه حقوق الجميع. وليس مع الذين يحاولون فرض نظام شمولي).

6/ الشروع على وجه السرعة بدراسة التقرير وتشكيل لجان لتطبيقه: يقول الملك مخاطباً أعضاء لجنة التحقيق: (إن تقريركم مسهب ومفصل. ويتوجب علينا أن ندرسه بكل عناية يستحقها. وكخطوة أولى سنأمر في الحال بتشكيل فريق عمل من أعضاء حكومتنا لدراسة توصياتكم ونتائج تحقيقكم بكل عناية وتبصر. وسيقوم هذا الفريق بتقديم، وبصورة عاجلة، استجابات جادّة لتوصياتكم). ثم عاد الملك وكرر الأمر فقال: (فيما يتعلق بردود حكومتنا على النتائج والتوصيات الواردة في تقريركم ، فإننا نكرر بأن هذه مواضيع أساسية يتوجب التعامل معها بعجل وبدون أي تأخير).

استنتاجات:

  • هناك التزام رسمي واضح ومن قمة هرم الدولة (الملك) بتنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وأن يكون ذلك على وجه السرعة.
  • ان التقرير، ومن وجهة النظر الرسمية والحقوقية، يمثل في حال تطبيقه انعطافة كبيرة في المسيرة الحقوقية والسياسية في البحرين.
  • إن تطبيق توصيات التقرير يتطلب إرادة سياسية عليا ضاغطة ومستمرة بحيث تتغلّب على المعوّقات التي تقف في طريق التطبيق.
  • إن البحرين بحاجة في إنجاح تطبيق التوصيات الى كل مساعدة ممكنة من القوى السياسية والمجتمعية في الداخل؛، وكذلك من المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية في الخارج.