التحدّي الصعب: توفير الأمن، واحترام حقوق الإنسان
الأحداث التي وقعت في البحرين انطوت على إخلال بالأمن، وعلى تجاوزات
لحقوق الإنسان، وهما أمران شكّلا تحدياً لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني
والقوى السياسية الفاعلة. وكان الرأي المجمع عليه (ولو من الناحية
النظرية) يقول: لا للإخلال بالأمن؛ ولا لانتهاكات حقوق الإنسان. لكن
عند التطبيق، وقع المحظور بنسبة أو أخرى؛ ووضعت حقوق الإنسان مقابل
الأمن، والأمر ليس كذلك بنظرنا. حيث يمكن توفير الأمن والإستقرار دون
التنازل عن مبادئ ومعايير حقوق الإنسان.
إن الحفاظ على الأمن ضرورة لحقوق الإنسان، ولكنه لا يمثّل بديلاً
له. ولا يجب أن يتم الحفاظ على الأمن على حساب حقوق الإنسان. هناك
صعوبة في تحقيق ذلك، أي في الموازنة بين حفظ الأمن واحترام حقوق الإنسان.
وكلما اشتدّت الظروف السياسية وتوترت الأوضاع، كلّما كان صعباً التوفيق
بين الأمرين، وضبط التجاوزات. فمن جهة تؤكد السلطات على جانب الأمن
وأهميته وتقدّمه على ما عداه، بل ويصل الأمر في بعض الدول الى اعتبار
الأمن مقدماً على حقوق الإنسان. وفي الطرف الآخر، هناك من بين دعاة
الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من يؤكد على أن عدم احترام حقوق
الإنسان، والإمعان في الإنتهاكات يؤدي الى الإخلال بالأمن والنظام.
هي معادلة صعبة إذن.
فمن جهة أولى، إن عدم الإستقرار والإخلال بالأمن يؤثر بصورة مباشرة
على حقوق الإنسان من جهة عواقبه في مسألة التمتع بالحق في الحياة،
والحرية والسلامة الجسدية، وهو ـ أي الإضطراب وفقدان الأمن ـ عامل
أساس في تقويض المجتمع المدني، وتهميش دوره سواء من خلال تضييق فسحة
نشاطه، أو عبر تسييسه، بحيث تصبح تلك المؤسسات ذات قيمة منخفضة. فضلاً
عن ذلك، فإن الإخلال بالأمن يهدد التنمية الإجتماعية والإقتصادية بما
يؤثر بصورة مباشرة على التمتع بحقوق الإنسان بمعناها العام والشامل.
ومن جهة ثانية، ظهر في البحرين كما في بلدان عديدة أخرى، تحدّي
الإلتزام بمعايير حقوق الإنسان في سياق الأزمات السياسية وما يترتب
عليها من اضطرابات أمنية واجتماعية. يشمل التحدّي احتمالية تجاوز أمن
الأفراد الذي هو حق أساسي من حقوق الإنسان، ووقوع انتهاكات في هذا
المجال، بما فيها سوء المعاملة، وتقليص هامش حرية التعبير، وتقييد
منظمات المجتمع المدني عامّة؛ ومثل هذه الممارسات تؤثر على (سيادة
القانون) وتحقيق (الحكم الرشيد) وضمان حقوق الإنسان.
هذا يؤكد حقيقة أن الإستقرار والحفاظ على الأمن من جهة، واحترام
حقوق الإنسان من جهة أخرى، أمران متلازمان. لا يمكن الحفاظ على أحدهما
دون الآخر. بدون الأمن تضيع حقوق الإنسان؛ وبدون حقوق الإنسان لا يتحقق
الأمن. ومن هنا أوجب قانون حقوق الإنسان الدولي على الدول أن تتخذ
التدابير للحفاظ على الأمن، ليس فقط عبر استخدام القوة المرشّدة، وإنما
قبل ذلك أيضاً: التصدّي للمشكلات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية
والسياسية التي تهيئ الظروف لانفراط الأمن، وتؤدي في نتائجها الى الإخلال
بالإستقرار، وتدفع بالجمهور الى توتير الأوضاع.
وهذا يعني أن من مهام الدولة أن تقوم بالأمرين معاً: حفظ الأمن
وتوفير حقوق المواطنين الخدمية والمعيشية والسياسية والإقتصادية وغيرها،
وهذا لا يتم إلا عبر احترام مبادئ حقوق الإنسان. ومن طرف ثان: ضبط
تصرفات أجهزة نفاذ القانون لتكون في إطار التشريعات والقوانين الوطنية.
ومثل هذا التأكيد يجب أن يكون حاضراً في الواقع كما في الأذهان حتى
في الأزمات الكبيرة التي تتعرض لها الدول.
هناك رابطة قوية لا تنفصم بين حقوق الإنسان والأمن، بحيث أن احترام
سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان يعدّان توأمين في صلب الجهود الرسمية
والشعبية لتوفير الأمن ومكافحة الخارجين على القانون.
إن اعتبار الأولوية لتثبيت الأمن صحيح في مفهومه العام؛ حيث تكمن
أهمية الحفاظ على أرواح المواطنين وأموالهم وأعراضهم، وكراماتهم. أي
حين يكون الوصول الى تلك الغاية منضبطاً بضوابط الشرع والقانون المحلي
وشرعة حقوق الإنسان. أمّا إذا استخدمت وسائل غير منضبطة، فهذا يرتدّ
عكسياً على الهدف والغاية ذاتهما، ويكون ثمن الإستقرار غالياً وذا
كلفة عالية، وبذا يصبح الإستقرار مؤقتاً غير مكتمل ودائم. بمعنى آخر،
فإن أولوية الأمن لا تتحقق نتائجها الكاملة بدون مراعاة حقوق الإنسان،
وكلّما جرى تجاوز ذلك، انعكس على الأمن سلباً.
إن اتخاذ التدابير الفعالة لفرض النظام والقانون وتوفير الأمن من
جهة، وحماية حقوق الإنسان من جهة أخرى، ليسا أمرين متضاربين متعارضين،
ولكنهما متكاملان، حيث يعزز أحدهما الآخر.
|