الملكيّة الدستوريّة التوافقيّة

لا يستطيع أحد أن يخفي حقيقة وجود انقسام طائفي في البحرين. يصعب على البعض الإعتراف بذلك، ولكن وجوده حقيقة.

الإنقسام الطائفي ليس جديداً. وهو هذه المرة لا علاقة له بالحريات الدينية، بل بصلب الموضوع السياسي.

أي أن الإنقسام بين (الفاتح) و (الدوّار)، بالرغم من أبعاده الإجتماعية المتأزمة، إنما هو انقسام سياسي بالدرجة الأولى، بحيث جرى استثمار الإنتماءات الطائفية في الصراع على المنافع السياسية (السلطة)، وهذا ما يحدث دائماً في كثير من بلدان العالم، حيث تثمّر الإنتماءات الفرعية في عملية الصراع السياسي.

ظهور (الشارعين السنّي والشيعي) كان بفعل المخاوف أن تؤكل حقوق أتباع كل مذهب وشارع، سواء كانت تلك الحقوق سياسية أم اقتصادية وتنموية، بحيث ولّدت تلك المخاوف على المصالح قلقاً في المجتمع، وهو ما كشفت عنه التعبيرات الطائفية لدى الشارع، وحتى لدى بعض النخب التي ترى نفسها (ليبرالية) أو (علمانية).

الإنقسام أخذ أبعاداً خطيرة في البحرين، في ظل ضعف الحوار بين قيادات السنّة والشيعة السياسية والدينية. ولا يبدو أن هناك حلاً للمخاوف المشتركة بدون التركيز على الأصل السياسي للمشكلة، وهو توزيع السلطة والثروة، فالمشكلة ليست متعلقة بطبيعة النظام السياسي الذي يطمح البحرينيون اليه، فحسب. فهناك من لا يريد ديمقراطية تأخذ منه بعض امتيازاته. الديمقراطية العددية صعبة التنفيذ في بلدان عديدة تتمتع بتعدديات أثنية وطائفية وقبلية وغيرها.

منذ 14 فبراير الماضي تأكّد أن هناك نظاماً سياسياً سيولد من جديد في البحرين. هذا ما بشر به الكثير من المحللين وبعض رموز الحكم أنفسهم بعبارات مختلفة، وهذا ما ولّد خشية وقلقاً لدى الفئات المذهبية المختلفة: هل سيخدم هذا النظام الجديد مصالحي، وحقوقي، ويوفر لي ولأبنائي الأمن والإستقرار؟ هذا السؤال مطروح لدى السنة والشيعة ويعبر عنه بصورة صريحة في الخطابات السياسية للطرفين.

كان يمكن أن يكون الجدل السياسي منحصراً بين (الدوّار) الشيعي والحكومة، لكن تأثيرات الأحداث الأخيرة بدت عميقة الى حدّ استدعت مطالب ضخمة لا يمكن الإستجابة لها بدون إجماع داخلي. وهنا، ظهرت انتفاضة سنيّة ترفض الحوار بين طرفين يتجاهلانها.

إذن نحن بحاجة الى نظام سياسي جديد قائم على تفاهمات جديدة، بحيث يؤدي في النهاية الى تعديلات دستورية ضامنة، والى شكل من أشكال الديمقراطية التوافقية تحت سقف الملكية الدستورية. بهذا المعنى، قد تنتج البحرين نظاماً سياسياً يمكن أن يكون نموذجياً على مستوى المنطقة التي تشتعل بالثورات.

النظام التوافقي له مزايا وله مساوئ، كما في أي نظام سياسي آخر. والمهم أن يحفظ ويضمن النظام السياسي القادم، أياً كان إسمه، وربما من خلال مساومات حوارية، مصالح كل الفرقاء، بمن فيهم العائلة المالكة.

قد يعتبر البعض بأن هذا النظام التسووي ينطوي على تراجع، فالشعور العام كان يفترض أن البحرين تجاوزت الإنتماءات المذهبية فضلا عن أن تتحكم في العملية السياسية. بيد أن لا حلّ بدون توافق الأطراف الثلاثة: الشيعة والسنّة والعائلة المالكة. لا أحد يستطيع أن يلغي الآخر. لقد جربت البحرين ذلك من قبل؛ والبعض يعتقد أن ما يحدث الآن كان بسبب محاولات الإلغاء السابقة. لا القوّة، ولا التهميش، ولا التمييز، ولا الشارع ومظاهراته، ولا العنف، ولا القبليّة، ولا الطائفية وتأجيجها بقادرة على إلغاء موازين القوى بشكل راديكالي لصالح طرف على حساب مصالح الأطراف الأخرى.

فعلاً البحرين أمام استحقاق سياسي. فليكن قادتها بمستوى المسؤولية.