المؤسسة الوطنية: تحدّي الوجود
كانت هناك مطالبات واسعة لتشكيل هيئة وطنية لحقوق الإنسان. وقد
تمّ تشكيلها بعد تباطؤ وتردد. لم يكن الأمر سهلاً، والقرارات لم تكن
سريعة في مسائل توفير احتياجات المؤسسة كيما تنطلق في العمل، ولاتزال
النواقص قائمة.
واجهت المؤسسة مشكلة كسب ثقة الجمهور الذي كان يطالب بأمور أكبر
من أن تتحملها مؤسسة وليدة. وواجهت الإتهامات لمجرد أنها مؤسسة جاءت
بقرار رسمي، وهذا هو حال كل المؤسسات الوطنية في العالم، وهو ما تنص
عليه مبادئ باريس ذات العلاقة.
لكن التحدّي الأكبر للمؤسسة الوطنية وأفرادها، جاء بعد محنة 14/15
فبراير الماضي. فما جرى في الشارع، وتداعياته السياسية والأمنية والإعلامية
والثقافية والحقوقية والإجتماعية انعكس على المؤسسة وأعضاءها بشكل
أشعرها بالشلل والعجز وعدم القدرة على اتخاذ المبادرة. وهذا في نظرنا
طبيعي، وقد أصيبت به بعض مؤسسات الدولة العريقة، فما بالك بمؤسسة حديثة
عهد تبحث عن فرصة لتنمو بمعزل عن المعوقات المحيطة بها؟
واحدة من تداعيات الأزمة، يتعلق برد فعلها على ما جرى وموقفها من
سقوط الضحايا المتظاهرين. وقد أصدرت بيانين أدانت فيهما استخدام القوة
المفرطة الذي أدى الى سقوط الضحايا وجرح العديدين، كما أعلنت تضامنها
مع المطالب المشروعة التي ينادي بها الشعب، خصوصاً تلك المتعلقة بحقوق
الإنسان. وشكلت لجنة لتقصي الحقائق وتوثيق الإنتهاكات والبحث عن معالجات
حقوقية سريعة مع كافة الجهات ذات الصلة.
حدث أيضاً، وهذا مهم، أن تقدّم عدد من الأعضاء باستقالاتهم، لأسباب
شتّى منها: الإحتجاج على عدم فعالية المؤسسة؛ وعدم مواكبتها لتطور
الأوضاع الحقوقية والسياسية؛ وعدم توفر الإمكانات الضرورية التي كان
يجب توفيرها حسب الأمر الملكي الصادر بتأسيسها؛ وشعور بعض الأعضاء
بأن المؤسسة فقدت مصداقيتها لدى الجمهور، بغض النظر عن دقّة ذلك من
عدمه.
لقد أثرت الأوضاع السياسية على عمل المؤسسة، خاصة في ظل الإستقطاب
السياسي والطائفي الحادّ، وجعلت أعضاءها يعيشون في ضغط نفسي كبير،
آخذين بعين الإعتبار حقيقة أنهم جميعاً ـ والى الآن ـ لازالوا يقومون
بعملهم بشكل تطوعي دونما مقابل وعلى حساب راحتهم الشخصية وراحة عوائلهم.
وزيادة على ذلك فإن أعضاء المؤسسة ورثوا ملفات حقوقية متراكمة ومعقّدة
(مثل: ضحايا الفترة الماضية؛ التحقيق في قضايا التعذيب)، ولم تكن السلطة
التنفيذية في مستوى من الحراك والفاعلية بحيث تتجاوب مع متطلبات المرحلة
وملفات المؤسسة الوطنية. ولربما رأى بعض المسؤولين في السلطة التنفيذية
أن المؤسسة الوطنية وكأنها جزءتابع لهم.
في ظل هذا الظرف، ماذا يمكن للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن تفعل؟
هناك عدد من الأمور يمكن إدراجها على النحو التالي:
أولاً ـ في ظل الأزمة السياسية القائمة هناك حاجة أكثر من أي وقت
مضى لكل جهد حقوقي بحريني. إن الحاجة الى متابعة حقوق الإنسان وصرف
الجهد على ذلك، تتضاعف في أوقات الأزمات وليس في أوقات الإنفراج، ما
يعني ان أعضاء المؤسسة مطالبون اليوم بمضاعفة الجهد لا الإستقالة والذهاب
الى المنازل. على الأعضاء أن يستعيدوا الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على
القيام بجهد طيب لخدمة وطنهم وشعبهم، وأن يبادروا الى العمل دونما
كلل لرصد الأحداث وتوثيق الإنتهاكات والتحقيق فيها، والمساهمة في البحث
عن العلاجات الحقوقية المناسبة لها.
ثانياً ـ إن قيام أعضاء المؤسسة بنشاطهم، وإدراكهم الواعي للأوضاع
السياسية المحيطة، سيمنحهم الفرصة لتأكيد استقلالية مؤسستهم، وينجح
دورهم الحقوقي ويثبت للجميع بأن البحرين (شعباً وحكومة) بحاجة الى
المؤسسة الوطنية لتكون ضمير الشعب حين تنتهك حقوقه، ومدافعاً صلباً
أمام منتهكيها. لا قيمة لمؤسسة وطنية لا تدافع عن حقوق الإنسان في
وقت الأزمات. من الضروري أن نحافظ على مؤسساتنا الحقوقية من أن تتعطل
بفعل السياسة والسياسيين، أو أن تخسر استقلالها لصالح طرف غير الحقيقة.
ثالثاً ـ هناك فرصة لكي تمدّ المؤسسة جذورها في المجتمع البحريني،
عبر إثبات شرعيتها حين تدافع بفاعلية ونشاط واضح وكثير عن الضعفاء
والضحايا، وعبر التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، وأن تكون صوت العقل
الذي يرفض انتهاك حقوق المواطن من أي جهة جاء.
رابعاً ـ المشاكل الداخلية التي تعانيها المؤسسة تمثل تحدياً للأعضاء،
وآن الأوان أن يحفّزهم ما جرى للإسراع في ترتيب البيت الداخلي دون
انتظار أو تردد أو شعور بأن هناك جهة فوقية تفرض إرادتها عليهم. تضامن
الأعضاء يساعدهم اليوم على مواجهة أية مشكلة تعترضهم، بروح الفريق،
وبإحساس عارم بالمسؤولية الوطنية.
المؤسسة الوطنية مكسب للشعب يجب أن لا يضيع في أيّ ظرف من الظروف.
|