المخرج لأزمة “البحرينية لحقوق الإنسان”
حسن موسى الشفيعي
بشكل مفاجيء، أصدرت وزارة التنمية الإجتماعية المعنية بالجمعيات
غير الحكومية قراراً في 8/9/2010 بحلّ مجلس إدارة الجمعية البحرينية
لحقوق الإنسان، وتعيين مدير مؤقت لها مدّة ثمانية أشهر. المدير موظف
في الوزارة، وقد أوكلت اليه مهمة استلام مقرّ الجمعية، ومُنح صلاحية
فتح باب العضوية لمن يرغب في الإنضمام الى الجمعية.
القرار الحكومي جاء اعتماداً على قانون 21 لسنة 1989، الخاص بالجمعيات.
ولقد كان قراراً صادماً للمنظمات المحلية والدولية على حد سواء، وقد
اصدرت العديد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية بيانات تناشد
فيها الحكومة البحرينية التراجع عن قرارها.
|
عبدالله الدرازي أمين عام الجمعية البحرينية ونائبه |
مبررات وزارة التنمية بشأن الإجراءات التي اتخذتها عديدة بينها:
مخالفة الجمعية البحرينية للعديد من مواد قانون الجمعيات آنف الذكر،
مثل: عدم إعداد ميزانية سنوية؛ وجود مخالفات مالية باستلام أموال من
الخارج دون إبلاغ الوزارة؛ وتدريب ناشطين خليجيين على آليات عمل منظمات
حقوق الإنسان؛ عدم عرض الحساب الختامي على محاسب قانوني معتمد؛ الإشتغال
بالأمور السياسية؛ عدم الدعوة لعقد الجمعية العمومية؛ عدم تسليم الوزارة
محضر اجتماع الجمعية العمومية؛ عدم وجود مجلس إدارة شرعي للجمعية؛
عدم تزويد الوزارة بصورة من قرارات اجتماعات مجلس الإدارة. ومن بين
المخالفات ما أوضحته الوزارة بأنها تلقت شكاوى من مواطنين ضد الجمعية.
مضمون تلك الشكاوى: عدم التنديد بأعمال العنف؛ إغلاق باب العضوية إلا
على فئات ذات لون سياسي محدد؛ والتطاول على صحافيين؛ تنسيق الجمعية
مع عدد من الحركات غير الشرعية؛ الخلط بين العمل السياسي والحقوقي
مما أفقد الجمعية حيادها ومهنيتها؛ نشر بيانات على موقعها الإلكتروني
لحركات غير شرعية تهاجم النظام السياسي. يضاف الى هذا، هناك ـ حسب
وزارة التنمية الإجتماعية ـ وجود مخالفات عديدة للنظام الأساسي للجمعية
نفسها مثل: عدم تجديد الترخيص لمركز الكرامة التابع للجمعية؛ التعاون
مع جهات خارجية، وتقديم شكاوى بدون سبب لمنظمات خارجية.
لم تقبل إدارة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان اتهامات الحكومة
وحلّ مجلس ادارتها، كما لم تقبل قرار تسليم مقرّها الى المدير المعيّن
من وزارة التنمية الإجتماعية، ورفعت دعوى قضائية ضد قرار الوزارة في
19/9/2010. كما ان الوزارة من جانبها قررت رفع دعوى مستعجلة لدى القضاء
لإجبار الجمعية على تنفيذ قراراتها وذلك في 6/10/2010؛ ولكن القضاء
لم يجد ما تقدمت به الوزارة مستعجلاً، خاصة وأن هناك دعوى ضد الوزارة،
فقامت الأخيرة بإسقاط دعواها.
وفي 26/10/2010 عقدت أول جلسة محكمة للنظر في شكوى الجمعية البحرينية
لحقوق الإنسان، فطلبت الوزارة التأجيل لدراسة أوراق القضية، فتم التأجيل
للجلسة التالية في 4 يناير القادم، ما يفسح المجال لإيجاد تسوية بين
الطرفين اللذين يبدوان ـ حتى الآن ـ راغبين في التوصل اليها.
مخالفات حقيقية وإجراءات متسرّعة
من نافلة القول التذكير بأن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ارتكبت
عدداً من الأخطاء، وأن بعض الإتهامات صحيح ولا يمكن نفيه، مثل تسييس
الجمعية وهيمنة حزب سياسي عليها، أو احتكار العضوية في الجمعية لتيار
سياسي ينتمي اليه مسؤولو الجمعية، وكذلك ما يتعلق الأمر بوجود بعض
المخالفات المالية المحدودة، وعدم اتخاذ مواقف ضد العنف لأسباب سياسية،
وغير ذلك.
لكن في الطرف المقابل، وردت بعض الإتهامات المبالغ فيها، أو تتعمد
تصيّد بعض الأخطاء الصغيرة وتضخيمها، أو متابعة بعض المخالفات الإدارية
التفصيلية الصغيرة، التي لا تبرر ـ من وجهة نظرنا ـ إتخاذ قرار كبير
وصاعق مثل حلّ مجلس إدارة الجمعية البحرينية، خاصة وأن قرار الحل لم
يمهد له بمحاولات لحلّ الأمور وسوء التفاهم ـ إن وجد ـ قبل الإقدام
على (آخر الدواء...).
يفترض أن تمثل وزارة التنمية الإجتماعية الروح الأبوية للمجتمع
المدني، وليس من الحالة الأبوية أن تأتي لمنظمات حديثة عهد في النشأة،
وفي عهد الإصلاح السياسي، فتحاسب على (الفتحة والفاصلة والضمّة)، أي
تحاسب على الصغائر. فواجب الوزارة الترشيد، لا العقاب، وقد يتطلب الترشيد،
التصرف بحكمة وإن تطلّب غضّ النظر عن بعض صغائر المخالفات، فالمهم
أن يكون الإتجاه العام لعمل المنظمات الحقوقية صحيحاً. كما أن من المهم
إدراك تأثير أي قرار ـ حتى وإن كان مطابقاً للأنظمة ـ على مسار المشروع
الإصلاحي برمته، ومعرفة سلبيات أيّ قرار يتخذ.
|
الدكتورة فاطمة البلوشي وزير التنمية |
العقاب لا يمكن أن يحلّ مشكلة تسييس موضوع حقوق الإنسان، فمن يدرس
الواقع البحريني وخلفيات قيادات المجتمع المدني السياسية والأيديولوجية،
يدرك بأن هذا الأمر يحتاج الى توافر المناخ والفترة الزمنية الكافية
كيما تنضج المشاريع السياسية والنشاطات الحقوقية. إن الجمعية البحرينية
تتحمل جزء من المسؤولية بلا شك، ولكنها بوضعها الحالي لا تستطيع الإنفكاك
السياسي عن صانعيها (وعد). ولا يتخيلنّ أحدٌ بأن الحل سيكون بحلّ الجمعية،
لأن الضرر على الوضع الحقوقي، وعلى سمعة البحرين أكبر بكثير من المخالفات
التي قامت بها الجمعية. وما نأمله هو أن يدرك نشطاء حقوق الإنسان في
البحرين ضرر تسييس الموضوع الحقوقي على الجمعيات الحقوقية نفسها، وعلى
مصداقيتها وتطورها. كما نأمل أن المجتمع البحريني نفسه ـ حينما ينضج
من خلال التجربة ـ سوف يكون قادراً على معاقبة من يسخّر القضايا الحقوقية
لأغراض سياسية ضيّقة.
لهذا نعتقد بأن قرار حلّ مجلس إدارة الجمعية البحرينية جاء في الوقت
الخطأ، ونفذ بالأسلوب الخطأ أيضاً. وكان يمكن معالجة الإشكاليات بطريقة
أخرى مختلفة تحفظ سمعة البحرين لدى المنظمات الحقوقية في العالم؛ وترعى
نمو وترشيد وتسديد الجمعية البحرينية وإن ارتكبت أخطاءً إدارية وقانونية.
ما يفترض أن تدركه الوزارة المعنية بشؤون جمعيات حقوق الإنسان،
هو أن طبيعة عمل تلك الجمعيات يفرض عليها جمع ونشر المعلومات المتعلقة
بالإنتهاكات لحقوق الإنسان؛ وأن من صميم عملها أن تقوم بالتدريب والتثقيف
لمن يحتاج ذلك. وأن مساحة الحرية في البحرين تغري الآخرين دولاً ومنظمات
إقليمية ودولية، وحتى الأفراد، للإستفادة منها.
في القانون تكمن المشكلة
تستطيع وزارة التنمية أن تحيل مخالفات الجمعية البحرينية الى مواد
القانون المنظم لعمل الجمعيات، فيكون ما فعلته مجرد تطبيق أمين وحرفي
له. لكننا نعلم، أن القانون رقم 21 الصادر في 1989، إنما صدر في مرحلة
ما قبل عهد الإصلاحات بزمن طويل، وأن التعديلات التي أُجريت عليه في
عام 2002 ليست كافية لجعله قانوناً عصرياً متوائماً مع التغيرات الكبيرة
والعاصفة التي شهدتها البحرين ابتداءً من عام 2001. هذا القانون غير
مرضي عنه من أكثرية المجتمع المدني؛ وقد أدركت وزارة التنمية أن القانون
غير صالح للمرحلة الحالية، وتقدمت مشكورة بمشروع قانون تمت مناقشة
موادّه مع مؤسسات المجتمع المدني، ونأمل أن يحال القانون الى البرلمان
بصورة مستعجلة لإقراره.
من أهم مساوئ القانون الحالي منحه السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة
للتدخل بشكل مباشر وتفصيلي في كل شؤون عمل الجمعيات غير الحكومية،
بحيث أصبح الإلتزام بمواد القانون عبئاً كبيراً على تلك الجمعيات،
كما هو عبء على الوزارة نفسها، لأن ملاحقتها لتطبيق القانون بتفاصيله
وطلبها المسبق معرفة كل الأمور، وإعطاء الموافقة على كل النشاطات،
أمرٌ مجهدٌ ومكلفٌ ومضرٌّ وينمّ عن عدم ثقة بالمجتمع المدني. إن أيّ
جمعية غير حكومية تشعر بالملاحقة، أو تشعر بالضغوط والرقابة، والتدخل
المباشر في شؤونها الداخلية والإشراف عليها عن قرب وفي معظم الوقت،
يجعلها غير قادرة على تحقيق أهدافها في خدمة المجتمع. ومن هنا فإن
المجتمع المدني البحريني بمجمله بحاجة الى أن يتنفس الهواء الطلق،
والى مساحة واسعة من الثقة الحكومية اولاً، ومن الحرية ثانياً، ومن
الدعم المجتمعي ثالثاً، كيما يحقق انعطافة في عمله.
البحث عن مخرج وتسوية
لقد وصل موضوع الخلاف بين وزارة التنمية والجمعية البحرينية لحقوق
الإنسان الى القضاء؛ وبإمكان القضاء أن يحسم الأمر في مختلف القضايا
سواء ما يتعلق منها بحلّ مجلس إدارة الجمعية، أو ما يتعلق بالمخالفات
التي ارتكبتها هذه الأخيرة. ونحن نعتقد بأن حكم القضاء سيكون عادلاً
ومرضياً للطرفين.
ولكننا نعتقد أيضاً بأن هناك فرصة من الوقت متاحة للبحث عن مخرج
تسوية عبر الحوار المباشر بين الطرفين. ويمكن اعتماد جهات محايدة ـ
كالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ـ لتقوم بمسعى إيجابي لتقريب وجهات
النظر. ومن البديهي أن المسألة إن اتخذت هذا المنحى، فإنها تفترض تقديم
تنازل من الطرفين: التراجع من قبل وزارة التنمية عن قرارها؛ وتسوية
الجمعية لمخالفاتها وتعديل أوضاعها وفق القانون. وهذا ما نأمل تحققه.
|