الإنتخابات وفرص القضاء على العنف
على الأرجح فإنه سيصاحب الإنتخابات البلدية والنيابية التي ستجرى
هذا الشهر (اكتوبر) قدر من آثار المواجهات الأمنية التي لم تنته بعد
على صعيدها القضائي، وكذلك من جهة تداعياتها على الصعيد الإعلامي والحقوقي
وربما السياسي أيضاً. فالإنتخابات تأتي وأصداء أحداث العنف والشغب
والإعتقالات التى طالت مرتكبيها والمحرضين عليها.. قائمة، مما دفع
بعض المراقبين للإعتقاد بتأثير ذلك على موعد إجراء الإنتخابات؛ ولكن
الحكومة أكدت قيام الإنتخابات في موعدها.
معلوم أن الإنتخابات تشكل مفردة أساسية من العملية الديمقراطية
التي تمثل البوابة الصحيحة للتعبير عن الرأي والموقف السياسي، وحفظ
مصالح الفئات والجماعات والتيارات السياسية وغيرها. بوابة الإنتخابات
الواسعة وصدقيتها هي البديل عن التغيير العنفي. فعبرها تنتظم المصالح،
ويحصل الأفراد والجماعات على حقوقهم ضمن المنافسات السلمية في البرامج
والولاءات وحتى الأيديولوجيات.
تعد المشاركة فى إدارة الشؤون العامة حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
وقد نصّ الدستور البحريني على أن (للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة
في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب
والترشيح... ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح
إلاّ وفقاً للقانون).
الآن، فإن أحوج ما تكون البحرين اليه، هو إنجاح العملية الإنتخابية
أكثر من أي انتخابات سابقة، بالنظر لحضور خيار العنف، وطرح ذاته كبديل
لما أنجز، وتشكيك القائمين عليه ـ أي على العنف ـ في كل العملية السياسية.
ومع أن المؤشرات تقول بأن الإنتخابات القادمة ستكون ناجحة، فإنه ينبغي
التذكير بأن التراجع يعني نجاحاً للخيار العنفي.
بيد أن مقياس نجاح العملية الإنتخابية هذه المرّة قد يكون له معطيات
أوسع مما كانت عليه في الإنتخابات السابقة، لا تتعلق فقط بحجم المشاركة
في الإنتخابات وزيادة أعداد الناخبين؛ بل وأيضاً في إمكانية نجاح وجوه
نسائية في الإنتخابات، وأن تفرز الإنتخابات تحولاً كبيراً في أداء
أعضاء مجلس النواب، وفي علاقتهم بالسلطة التنفيذية، ومدى مرونة هذه
الأخيرة في الإستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة، فضلاً عن أمور أخرى.
لكي تكون الإنتخابات ناجحة ومرضيّ عنها محلياً ودولياً، لا بدّ
من مراعاة معياري: الحرية والنزاهة. تعتبر الإنتخابات حرة إذا ما أتاحت
الفرصة للتعبير الكامل عن الإرادة الشعبية؛ ويستلزم ذلك ضمان: حرية
التعبير والإعلام، والتجمع وتكوين الجمعيات، والتنقل، وكذلك توفر الأمن
للأفراد أثناء العملية الإنتخابية بدون تخويف أو ضغوط.
وحتى تكون الإنتخابات نزيهة فعلاً، فيجب إستيفاء شرطين: الأول إجرائي
ويشمل دورية الإنتخابات، والمساواة، وعمومية الإقتراع، وسرِّية الإنتخاب.
والثاني يعنى بالنتائج في توجهه ويعرِّف الإنتخابات النزيهة بأنها
الإنتخابات التي تعكس حرية تعبير الناخبين عن إرادتهم.
هنا تأتي مراقبة الإنتخابات كصمام أمان، ووسيلة فعّالة للتحقق من
حسن سير العملية الإنتخابية ونزاهتها، حيث أن تَواجُد المراقبين المحايدين
يقلّل من إحتمال التزوير، ويدخل الثقة فى نفوس الناخبين، فيزيد بذلك
من إستعدادهم للمشاركة في العملية الإنتخابية، وفي قدرتهم على التعبير
بحرية عن إرادتهم السياسية دون ريبة أو خوف.
وقد اقتصرت مراقبة الإنتخابات السابقة (2002 - 2006) على الجمعيات
الأهلية المحلية ـ دون الإجنبية ـ ممثلة في الجمعية البحرينية لحقوق
الإنسان، وجمعية الشفافية، واللتين ستقومان أيضاً ـ بالإضافة للمؤسسة
الوطنية لحقوق الإنسان ـ بمراقبة إنتخابات 2010. والمطلوب من الأجهزة
الحكومية توفير كل المساعدات اللازمة للمراقبين حتى يتمكنوا فعلاً
من القيام بالرقابة على الوجه الصحيح. ويجب أن تشمل عملية المراقبة
كل المراحل: فترة الحملة الانتخابية؛ تسجيل الناخبين؛ التصويت؛ فرز
الأصوات؛ النتائج والمتابعة. وهناك أيضاً عنصر حاسم ومهم في ضمان نزاهة
الإنتخابات، وهو وجود سلطة قضائية، أو محكمة مختصة، يمكن من خلالها
أن يُعبِّر المرشحون والناخبون عن إعتراضاتهم وشكاواهم فيما يتصل بالعملية
الإنتخابية.
إن رضا الناخبين عن صحة نتائج الإنتخابات، وقبل ذلك فإن حجم المشاركة
الشعبية في الإنتخابات، سيكون لهما إنعكاس إيجابي على نبذ العنف. فالمطالب
الصحيحة التي يمكن تحصيلها سلمياً، لا تجعل من المبرر استخدام العنف
في تحقيقها.
مطالب الجمهور يمكن تحقيقها عبر ممثليهم المنتخبين والذين يفترض
أن يعبروا عن تطلعات ناخبيهم وأن يدافعوا عن مصالحهم تحت قبة البرلمان،
وأن يؤكدوا حقيقة أن مطالبهم سيتم عرضها ومتابعتها بمثابرة في البرلمان
حتى تُتَرجَم الى نتائج على أرض الواقع. هذا يتطلب بالضرورة إرتقاء
النواب بأدائهم ووعيهم ونشاطهم من أجل ترجمة شعاراتهم الإنتخابية الى
منجزات. ولكي يتسم أداء النواب بالفعالية لا بدّ من تعديل اللوائح
الداخلية التي تقف عائقاً أمام قيام النواب بواجباتهم التشريعية والرقابية
على الوجه الأكمل.
وينبغي التأكيد على التعاون البنَّاء بين مجلسي النواب والشورى
من جهة؛ وبين المجلسين والحكومة من جهة أخرى، حتى يتم سنّ القوانين
بالسرعة المطلوبة، وتفادي التباطؤ الذي حدث في دورات البرلمان السابقة؛
وما تجربة قانون الصحافة ببعيدة عن الأذهان.
إن نزاهة الإنتخابات المرتقبة، والرضا بنتائجها، إضافةً الى الأداء
الجادّ والناضج للنواب، وتمثيل ناخبيهم التمثيل الحقيقي، وتعاون السلطات
التنفيذية والتشريعية، لا بد أن يؤدي في نتائجه الى انحسار العنف مهما
كانت دوافعه.
|