المؤسسة الوطنية في عامها الأول

نظراً للمهام الكبيرة الملقاة على عاتق المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ونظراً لتطلعات منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، وكذا آمال المواطن البحريني في هذه المؤسسة.. فإن هذه الأخيرة بحاجة الى الإنخراط وبالسرعة المطلوبة في العمل المؤسس والقائم على نهج وخطة واضحين. لا يمكن أن تتحقق الأهداف من تشكيل المؤسسة الوطنية، والتي ذكرت في الأمر الملكي لتأسيسها، ما لم تكن هنالك خطة استراتيجية وأهداف واضحة وواقعية يمكن تحقيقها.

تأكيد رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الأستاذ سلمان كمال الدين، على ضرورة وضع خطة وطنية لحقوق الإنسان يتم من خلالها رسم الملامح المستقبلية، كان لافتاً ومهماً، خاصة وأنه (في مقابلة مع صحيفة الأيام، 23/6/2010) وضع الأسس لأولويات المرحلة المقبلة كنشر ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بها بصفتها الضامن الأول لتمكين المواطنين من تحصيل والدفاع عن حقوقهم والتعرف على واجباتهم.

ونظراً لضرورة إثراء الرأي العام البحريني وإشراكه في التفكير والتنظير لعمل المؤسسة الوطنية، والتزاماً بمبدأ الشفافية بقدر الإمكان، رأينا في المرصد أن نفكر بصوت مسموع بشأن وضع تصور أولي لاستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، يمكن العمل عليها مدة عام من أجل إنجازها. إن ما نقترحه هنا مجرد عصف ذهني للبناء عليها والتفاكر حولها نظراً للحاجة الى تلك الخطة والى الحاجة الى آراء أصحاب الرأي والإهتمام بالشأن الحوقي، وتداول النقاش معهم علناً بشأنها.

يقترح (مرصد البحرين لحقوق الإنسان) أنْ يتم خلال العام الأول لعمل المؤسسة، التركيز على إتجاهات رئيسية أربعة، هي: حماية وتعزيز حقوق الإنسان في البحرين؛ نشر وتعزيز ثـقافة حقوق الإنسان؛ المواءمة بين جميع الاستراتيجيات ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ وتأسيس واستكمال البناء الداخلي للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

الأول: حماية وتعزيز حقوق الإنسان في البحرين

في هذا المجال ينبغي على المؤسسة الوطنية أنْ تضع خطة عمل بغرض تحسين أوضاع حقوق الإنسان. على أن تشمل هذه الخطة الموضوعات التالية:

ـ تداول الموضوعات الحقوقية العالقة والتي ظلت مثاراً للشدّ والجذب مثل: ملف ضحايا التعذيب.

- مراجعة مواد الدستور والقوانين بهدف مواءمتها مع الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها مملكة البحرين.

- وضع تدابير لحماية حق الأمان الشخصي والحماية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، مع معالجة كل الملفات المتعلقة بمزاعم التعذيب.

- التأكد من أن آليات القبض والاعتقال في البحرين تتواءم مع المعايير حقوق الإنسان، بحيث تمنع الإعتقال والقاء القبض التعسفي.

- تقديم توصيات في خطوات عملية تعالج مسألة العنف المجتمعي الذي تتعرض له المرأة.

- تقديم توصيات في مقترحات عملية تؤدي الى تطبيق مبدأ (الحق في العمل، في ظروف مناسبة، وأجر مناسب، وكذا المساواة وعدم التمييز، وتوفير الضمان الاجتماعي، وحماية المرأة العاملة من الاستغلال الاقتصادي).

- تقديم علاج مناسب من خلال وضع تدابير قابلة للتطبيق من أجل مزيد من التحسين لحقوق العمال ورفاهيتهم، ومساعدة نقابات العمال في تحقيق أهدافها.

- حماية حرية الرأي والتعبير، والتوصية بالتدابير اللازمة لحماية وتعزيز هذا الحق خاصة ما يتعلق منها بمهنة الصحافة والإعلام وضمان الأمن الشخصي للعاملين بهما.

- حماية الحق في التجمع السلمي والمظاهرات السلمية.

الثاني: نشر وتعزيز ثـقافة حقوق الإنسان

يتفق مرصد البحرين لحقوق الإنسان تماماً مع رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بأنَّ نشر الوعي بحقوق الإنسان وتعزيزه وسط الفئات المختلفة، يعتبر أحد أهم الضمانات التي تساهم في الحدّ من الإنتهاكات لحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار هناك أهداف مرحلية لتحقيق الهدف الكبير، ومن بينها:

- التركيز على حق المشاركة السياسية في إدارة الشئون العامة والمشاركة في الانتخابات. ذلك أن تطور حقوق الإنسان على الأرض يعتمد في أغلب الأحيان على ما هو متوفر من حريات سياسية يوفرها النظام السياسي، ويمارسها الجمهور. وبالتالي فإن حيوية العملية السياسية، وحماية حقوق الإنسان، أمران مرتبطان، وإن أي انتكاسة لأحدهما تسبب على الأرجح انتكاسة في الأخرى.

- الدفع باتجاه تضمين مناهج التعليم للمراحل المختلفة حتى الجامعية منها بمفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان.

- التعاون مع وسائل الإعلام ورفع كفاءتها في الجانب المعرفي الحقوقي كيما تستطيع المساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان.

- التواصل مع المؤسسات الشبابية والمعنية بالمرأة وتعزيز قدراتها في الدفاع عن حقوق المرأة بالذات، وكذلك في التبشير والنشر لثقافة حقوق الإنسان.

- استهداف المؤسسات التشريعية، ومنفذي القانون من شرطة ونيابة وقوات نظامية، بالبرامج والتدريب والتوعية بحقوق الإنسان.

الثالث: التنسيق بين النشاطات الحقوقية في استراتيجية موحدة

يثمِّن المرصد كل الجهود التي قامت وتقوم بها الجهات المختلفة، رسمية وأهلية، لوضع استراتيجيات لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في مختلف المجالات في البحرين. ويرى المرصد أنه قـد آنَ الأوان لوضع الخطط والتشريعات المختلفة التي تعتمدها الجمعيات والمؤسسات المختلفة، في سياق استراتيجية وطنيّة واحدة، بحيث يجري جمع القوانين والتشريعات والخطط والبرامج ومن ثم تنقيحها لتطبيقها، على أن يُـنـاط بكل جهة المساهمة في تنفيذ جزء من تلك الإستراتيجية. هذا التوجه يفترض أن يخدم الأهداف التالية:

- توحيد قوى وجمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان حول رؤية وأهداف موحدة ومتفق عليها.

- ترشيد الموارد وتحسين استخدامها تفادياً للتعامل مع نفس الموضوع من جهات متعددة مما يفقده الفعالية.

- إزالة حالة الإرباك التي يحدثها تعدد الأنشطة المتشابهة مع اختلاف الجهات المنفذة.

- تسهيل الرصد والمتابعة والتقييم للأعمال والأنشطة الحقوقية.

- التوظيف الأمثل لإمكانيات جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان كلٌ حسب إمكانياتها البشرية والمادية.

الرابع: البناء الداخلي للمؤسسة الوطنية

ومع أن هذا الموضوع يناقش في الإطار الداخلي لدى المؤسسة الوطنية، إلا أن تنوير الرأي العام المحلي بالآراء المختلفة، وأهمية الإنفتاح والشفافية في مناقشة الخطوط العامة لعمل المؤسسة من أجل المزيد من الثقة بين المؤسسة والجمهور العام، يشجعان على طرق الموضوع بصورة علنيّة.

يفترض أن تبدأ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بوضع هيكل إداري يتناسب وأهمية الدور المناط بها. والخطوة الأولى تبدأ ـ وحسبما جاء في الأمر الملكي ـ بإنشاء (أمانة عامة) تـتـولى إدارة الشأن اليومي لعمل المؤسسة، بما في ذلك توظيف موظفين وفقاً لوصف وظيفي علمي، وتحديد الأجور المجزية لهم، كما هو متعارف عليه لدى المؤسسات الوطنية الأخرى العربية والأجنبية. ومما لا شك فيه، فإن المجتمع البحريني يضم الكثير من الكفاءات والخبرات المؤهلة لتولي مناصب ادارية في المؤسسة الوطنية. كما ينبغي على المؤسسة تحديد النظام الداخلي الذي يحكم عمل لجانها المختلفة، ومهام أعضائها، وكيفية إدارتها واجتماعاتها إستناداً لأمر التأسيس الملكي.

إذا استطاعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التركيز على هذه الاتجاهات الرئيسية الأربعة في عامها الأول، فإنها ستكون قد قطعت شوطـاً كبير في تثبيت نفسها كمؤسسة محترفة ومهنية. ومن ثـمَّ تستطيع أنْ تـنـخرط في عامها الثاني بكل حيوية لوضع استراتيجية وطنية لمدة أربعة أو خمسة أعوام تكون فيها المؤسسة قد أكملت بناءها الداخلي وانطلقت لتحقيق الأهداف المنشودة التي أنشئت من أجلها.

هذه خطوط عريضة لخطة عامة ومستمرة حيث لا تنتهي بنهاية الفترة الزمنية المحددة. لأن تحقيق الأهداف لا يمكن أن يكون تاماً كاملاً. ويمكن للمؤسسة الإستفادة من مؤسسات المجتمع المدني في اقتراح ورسم معالم الخطة الاستراتيجية. ما تحتاج اليه المؤسسة الوطنية في عامها الأول هو الإنطلاق بهدوء وإصرار وبخطى واضحة ضمن خريطة معلومة مسبقاً، حتى لا تفاجأ بمشاكل لم تتوقعها.