البحرين في يوم مساندة ضحايا التعذيب
في 18 فبراير 1998، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً
بإعلان يوم 26 يونيو من كل عام (يوماً دولياً لمساندة ضحايا التعذيب،
بهدف القضاء التام على التعذيب، وتحقيقاً لفعالية أداء اتفاقية مناهضة
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية
أو المهينة). ومنذ ذلك الحين، درجت المنظمات الدولية والمجتمع المدني
كما بعض الدول على الإحتفال بيوم 26 يونيو، عبر التظاهرات والمسيرات،
وإقامة العديد من الفعاليات التي تندد بالتعذيب أينما وقع، وبأي صورة
مورس، ومن أية جهة أتى.
في البحرين ـ ومنذ بداية الإصلاحات السياسية عام 2000 ـ درج المجتمع
المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان، والى حد ما الحكومة نفسها ـ كما
في السنوات الماضية ـ على الإحتفال بيوم مساندة ضحايا التعذيب، إدراكاً
من الجميع لحقيقة أن التعذيب صار منبوذاً وغير مقبول لا في الثقافة
العامة ولا في الأداء الحكومي، ولا هو متناسب مع قيم العصر، ولا مع
مسار الدولة الحالي. ولعل المواطنين يستذكرون ـ وهم يحتفلون بيوم مساندة
ضحايا التعذيب ـ العديد من الضحايا الذين سقطوا في المرحلة الماضية،
في حقبة يريد الجميع أن يطويها، كما طوى من قبل (قانون ومحكمة أمن
الدولة)؛ مؤملين أن تبقى قضايا التعذيب جزءً من الماضي وذلك عبر إغلاق
ملف (ضحايا التعذيب) من خلال تسوية مقبولة تضمن منع وقوع أية تجاوزات
منهجية لحقوق الإنسان على النحو الذي شهدته البلاد في مرحلة ما قبل
الإصلاحات.
إن القطيعة مع الماضي المؤسف والمؤلم أمرٌ ممكن، بل هو ضروري حتى
لا يصبح الماضي حاكماً على الحاضر، بحيث يعيق الدولة والمجتمع من العبور
الى المستقبل. بيد أن تحقيق هذا يتطلب معالجة آثار المرحلة الماضية،
وهو أمرٌ لم يتأتى حتى الآن رغم المحاولات المتكررة. ولكن هناك أملٌ
متكرر أن يحل هذا الملف رغم التأخير والإستثمار السياسي الرخيص، وقد
يكون للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان دوراً في هذا الشأن في المستقبل
القريب.
البحرين في يوم السبت، 26 يونيو الماضي، احتفلت بيوم مساندة ضحايا
التعذيب، عبر اعتصام في المنامة بالقرب من مسجد الفاتح شاركت فيه جمعيات
سياسية وحقوقية عديدة، وكذلك أعضاء برلمان، رفعت خلاله صور بعض ضحايا
التعذيب، ويافطات تندّد به، وتطالب بإنصاف الضحايا. وفي ختام الاعتصام
صدر بيان باسم المعتصمين أكدوا فيه على إبقاء ملف ضحايا التعذيب في
الفترة السابقة مفتوحاً الى أن تتخذ الخطوات لإنهاء معاناة الضحايا
وعوائلهم، ومن ثم يتم إغلاقه.
السؤال: لماذا لم يغلق الملف حتى الآن؟ ولماذا تتكرّر الدعوات لإغلاق
ملفات المرحلة الماضية في المناسبات؟ ولماذا غابت المبادرات الأهلية
والسياسية التي تحقق ذلك؟
في رأينا، فإن ملف ضحايا فترة ما قبل الإصلاحات لم يحلّ لأسباب
عديدة أهمها التالي:
أولاً ـ أن الموضوع خرج من
يد الجهات الحقوقية الى يد الجمعيات السياسية، وبالتالي فقد تم التعاطي
مع الملف بروح سياسية أكثر من كونها حقوقية، حتى بدا الأمر وكأنه مماحكة
بين سياسيين يريدون تسجيل نقاط على بعضهم البعض.
ثانياً ـ توسع أزمة الثقة
بين المشاركين في اللعبة السياسية، ما أدّى الى إفشال العديد من المبادرات
للحل. خاصة وأن المعارضة السياسية لم تكن تبحث عن مجرد تعويضات مادية
للضحايا، بل أرادت تنازلات سياسية، هي أقرب الى إفحام الحكومة، منها
الى التعاون معها. ولم يكن المناخ السياسي المحلّي يساعد على تحقيق
هكذا تنازلات.
ثالثاً ـ هناك جهات سياسية
عنفية ليس من مصلحتها إغلاق ملف ضحايا التعذيب، وهذه الجهات تتحكم
في جزء كبير بملف الضحايا في الوقت الحاضر، وترفض الحلول المقترحة.
وإذا أخذنا بعين النظر أن هذه الجهات العنفية قد صعّدت من مطالبها
الى حدّ إلغاء العملية السياسية، وإسقاط النظام السياسي، فإن موضوع
ضحايا التعذيب لم يكن سوى واحدة من الذرائع لتحقيق تلك الغاية. ومن
جهة ثانية، فإن العنف المستمر، أوجد الريبة لدى الحكومة أيضاً، وجعلها
تتشدّد في مواقفها وأن لا تظهر نفسها وكأنها هي المتهم الوحيد والمسؤول
في هذه القضية.
رابعاً ـ عدم وجود استعداد
نفسي للإعتراف بالحقيقة، فهناك تجاوزات من الحكومة ومن المعارضة أودت
بحياة أبرياء. وإذا كانت مسؤولية الحكومة أكبر في هذا الشأن، فإن المعارضة
نفسها لا تبدو على استعداد للإعتراف بتلك المسؤولية القديمة، وتريد
من الحكومة وحدها تحمل كامل المسؤولية.
|