البحرين: نحو خطّة وطنية لحقوق الإنسان
نعتقد أنه حان الوقت لوضع خطة وطنية شاملة لحقوق الإنسان، خاصة
مع تشكيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي يمكن لها أن تساهم في
وضعها أو تتحمّل العبء الأكبر في ذلك. والهدف: أن تكون الخطّة إطاراً
قيمياً وأخلاقياً وعملياً، ودليلاً ومرشداً للمجتمع المدني، ولصنّاع
القرار في مؤسسات الدولة، وكتاباً مفتوحاً للمواطن يعرف من خلاله ما
له من حقوق، وما عليه من واجبات.
وما يدفع بضرورة وضع خطّة وطنية جامعة، هو توفر الإرادة السياسية
في المقام الأول؛ ومن جهة ثانية، فإن البحرين وخلال العشر سنوات الماضية
من عمر المشروع الإصلاحي السياسي والحقوقي، حقّقت منجزات في مختلف
أجهزة الدولة، وبالتالي فإن هناك قاعدة تتمتع بقدر كبير من الصلابة
يمكن الإنطلاق منها والبناء عليها، حالما يجمع شتات التشريعات والتطورات
التي حدثت في مجالات القضاء والسياسة والعمل والمرأة والطفل والمجتمع
المدني والعملية الديمقراطية نفسها، وكذلك التطورات في ميادين الحريات
العامة وغيرها. مجموع هذا التطور حين يوضع ضمن خطّة متكاملة ومترابطة
فإنه يوضح الصورة العامة للوضع الذي عليه البحرين اليوم من جهة، ويسهل
من جهة ثانية رسم صورة المستقبل وما يراد إنجازه لتلبية حاجات المجتمع
البحريني الأساسية.
معلوم أن (إعلان فيينا) الذي صدر من المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان
عام 1993، طالب دول العالم كافة بإعداد الخطط الوطنية لحقوق الإنسان،
وقد استجابت كثير من الدول لذلك الإعلان، كونه مفيداً لها، كما هو
مفيد في معرفة مدى التزام الدول باحترام وتعزيز حقوق الإنسان، عبر
إجراءات محددة في ميادين مختلفة. حيث أن حقوق الإنسان لا تقاس من خلال
تمجيدها كلاماً، وإنما بمدى تطبيقها كإجراءات على أرض الواقع، ووفق
مقاييس محددة وعلمية متفق عليها عالمياً؛ وتقاس أيضاً بمدى تحقيقها
للنتائج المرجوة.
ولأن موضوع حقوق الإنسان صار جزءً من السياسات الوطنية، كما من
صميم العلاقات الدولية، فإن من الضروري النظر اليه كمفردة ثابتة وأساسية
في سياسات الدول وبرامجها حتى الإقتصادية والتنموية منها؛ أي أن حقوق
الإنسان صارت منهجاً مستمراً متواصلاً وعنصراً أصيلاً في كل مناحي
الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
يفترض في الخطّة أن تتضمن التالي:
■ تأكيدات على اتخاذ إجراءات تشريعية ومؤسساتية وقضائية وإجرائية
لضمان توسعة الحريات العامّة وتعزيز الحكم الديمقراطي. كما تشمل تأكيداً
واضحاً على ضرورة تعديل القوانين التي لا تتفق مع الحدّ الأدنى للمعايير
الدولية.
■ الحفاظ على المكاسب التي تحققت في مجال حرية التعبير والإضافة
عليها بتوسعتها.
■ أن تكون السلطة التنفيذية منفتحة وشفافة على المواطن لكي يعرف
سياساتها وبرامجها من خلال منحه المعلومات الكافية، والهدف هو منحه
القدرة على تقييم أدائها، ومساءلتها من خلال آليّة البرلمان والصحافة
وغيرهما.
■ تعزيز دور البرلمان من حيث الرقابة والتشريع.
■ اتخاذ إجراءات لضمان استقلالية السلطة القضائية ونزاهتها.
■ أن تعمد الحكومة الى تدريب موظفي الدولة عامة، ورجال الشرطة وقوات
الأمن خاصة، على التعامل مع حقوق الإنسان والإلتزام بمبادئها، ووضع
إجراءات صارمة وواضحة لتحقيق المساءلة لرجال الشرطة وغيرهم في حال
مخالفتهم لقواعد حقوق الإنسان.
■ اتخاذ إجراءات صارمة في محاربة الفساد، وتثقيف المجتمع وموظفي
الدولة بمدى خطورته على العملية الإصلاحية.
■ وضع إجراءات وقائية لمنع وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة في
مراكز الحجز والسجون، وذلك عبر: إبلاغ المحتجزين بحقوقهم؛ وتجنّب الإحتجاز
والحبس الإنفرادي؛ والسماح للمحتجز بالإتصال بالعالم الخارجي عبر محاميه
وزيارة الأهل والطبيب. ومن الإجراءات: وضع قواعد إنسانيّة لعمليّة
الإستجواب مثل عدم ممارسة الضغوط النفسية والجسدية والإمتناع عن تهديد
المحتجز؛ وضمان الإعتراض على مدى قانونية الإحتجاز من خلال عرض المحتجز
على قاضٍ بحيث يحاكم في فترة زمنية معقولة وإلاّ يفرج عنه. وتشمل الإجراءات:
وجود نظام مستقلّ لتفتيش أماكن الإحتجاز بصفة منتظمة ودوريّة وبدون
إخطار مسبق؛ وأن تكون هناك آليّة واضحة للتحقيق في إدعاءات التعذيب،
يمكن من خلالها إجراء تحقيق سريع ونزيه كلّما وجدت أسباب معقولة تدعو
الى الإعتقاد بأن التعذيب قد ارتكب؛ على أن تكون الجهة التي تتولّى
التحقيق مستقلّة ونزيهة، وأن توفّر لها كل المعلومات اللازمة والتسهيلات
لضمان التحقيق على أكمل وجه.
■ إذا ثبت وقوع التعذيب، فيفترض أن تتخذ الإجراءات التأديبية ضد
المنتهكين، وأن يحاكموا جنائياً، وأن يعوّض الضحايا ويتم إنصافهم من
قبل الحكومة.
هذه بعض عناصر الخطّة، ونعتقد أن الكثير منها متوفراً في الوقت
الحالي، ما يجعلنا نأمل بتحققها في أسرع وقت ممكن.
|