عبدالله الدرازي

(التسييس) يطيح بـ (الدرازي)

هزّة في الوسط الحقوقي البحريني

كل من تابع نشاط الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وهي أول جمعية حقوقية تتأسس في عهد الإصلاحات، يدرك بأن الجمعية قفزت بنشاطاتها وتأثيرها في عهد الأستاذ عبدالله الدرازي، الذي استقال مؤخراً من منصبه. إن النضج الذي حازته الجمعية خلال عملها مؤخراً، ورؤيته في بناء علاقة بنّاءة مع الأجهزة الرسمية المعنية بحقوق الإنسان، إنّما يعود الفضل فيها في جانب كبير الى الدرازي نفسه.

ومع أن الدرازي، بقي كعضو في الجمعية السياسية (وعد)، رغم توليه منصب قيادي حقوقي، إلا أنه كان يقول بأن انتماءه السياسي لا يتناقض مع عمله الحقوقي. لا بدّ أن الدرازي أدرك مؤخراً، بأن المواقف السياسية لـ (وعد) قد حدّت من حريته في التعبير عن موقفه في موضوع حقوقي بحت. وقد كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، تصريح الدرازي في (9/2/2010) ممتدحاً الخطوات الشجاعة للملك ومشروعه الإصلاحي، حيث قام بتبييض السجون، وأعاد المبعدين، وألغى قانون أمن الدولة. كما امتدح الدرازي الحكومة على انفتاحها وارتفاع سقف حرية التعبير الى حدّ عقد مؤتمر داخل البحرين يتناول موضوع حساساً (يقصد مؤتمر اطلاق تقرير التعذيب لهيومن رايتس ووتش). وقال ان مثل هذا المؤتمر كان من المستحيل عقده هنا قبل 10 سنوات. أيضاً أثنى الدرازي على وزارة الداخلية ووزيرها وخطواته الإصلاحية وضرب أمثلة لتعاونه مع الجمعية، والقضايا التي تم حلّها، واصفاً العلاقة بين الطرفين بأنها جيدة ومتقدمة. كما أشار الدرازي الى أن مسؤولي أمن وردت أسماؤهم في تقرير هيومن رايتس ووتش لا علاقة لهم بموضوع التعذيب.

هذه الأقوال لم تعجب الحركة السياسية الأم (وعد)، فتوالت الضغوط السياسية على عبدالله الدرازي، ودفعته الى الإستقالة.

ازدواجية الإنتماء السياسي والحقوقي، وهيمنة الجمعيات السياسية على النشاط الحقوقي، يؤديان بالضرورة الى تحويل العمل الحقوقي الى مجرد أداة في العمل السياسي، بحيث تصبح الجمعيات الحقوقية محكومة في رؤيتها للقضايا والتطورات بالعين السياسية، وفي هذا قسر للحقوقيين على تبنّي وجهات نظر محددة قد لا يكونوا مؤمنين بها، ودفعهم للقبول بتشخيص للوضع الحقوقي منحاز بعين سياسية، وبأداء قاصر بالنظر للمحاذير السياسية، ما يجعل الجمعيات الحقوقية مغلقة على نفسها بسبب تحزّبها السياسي، وفي تضاد حادّ مع شرائح وجهات سياسية رسمية وأهلية.

من هنا كان تحذيرنا مبكّراً من تسييس العمل الحقوقي، بالرغم من تفهمنا لظروف التحول الديمقراطي وحداثة التجربة السياسية والحقوقية. الآن ظهرت وبوضوح النتائج السلبيّة جرّاء ربط العمل الحقوقي بالإنتماءات السياسية الحزبية، ليس فقط في تجربة مركز البحرين لحقوق الإنسان، والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، بل وأيضاً في تجربة الجمعيات الحقوقية التي شغلها (التبرير للانتهاكات، أو نفي وقوعها) وقد وضعت الكاتبة سوسن الشاعر الفريقين في خانة واحدة (فريق ـ تلمّعه الحكومة دون أن تنجح ـ يكذّب أي ادّعاء؛ وفريق يصدّق أيّ ادّعاء)(الوطن، 15/2/2010).

ما ذكره الكاتب سعيد الحمد بأن (استقالة الدرازي تعبّر وتعكس ورطة الإزدواجية بين الحقوقي والسياسي) وأن الدرازي (ذهب ضحية لها) وأن الإستقالة (جاءت بضغط عكس تأثير حالة الازدواجية بين السياسي المنتمي عضوياً وحزبياً، وبين الحقوقي المفترض فيه الاستقلالية عن مؤثرات السياسي. وهي حالة تعاني منها معظم إن لم يكن مجمل الجمعيات الحقوقية). هذا التحليل صحيح ودقيق (الأيام، 17/2/2010).

وزير الداخلية نفسه التفت الى هذا الأمر حين علّق على موضوع الأزمة في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، بأن من الضروري العمل على أن لا يكون أعضاء بعض الجمعيات الأهلية منتمين إلى جمعيات سياسية، حتى لا يتأثر دورها الأهلي بالدور السياسي، وعلى وجه الخصوص الجمعيات الحقوقية (وزير الداخلية في حديث أمام لجان برلمانية في 15/2/2010).

وفي الوقت الذي نعبّر فيه عن الأسف لاستقالة الأستاذ عبدالله الدرازي، متمنين عودته الى موقعه الحقوقي الذي تحتاجه الساحة، فإننا أيضاً نعبّر عن خشيتنا من أن تقع الجمعية الحقوقية الجديدة وهي جمعية سلام لحقوق الإنسان (تحت التأسيس) فيما وقع فيه الآخرون. نحن نتمنى أن تشهر الجمعية قريباً، ولكننا ننصح الأخوة في جمعيتي الوفاق وسلام بأن يفصلوا العمل الحقوقي عن العمل السياسي تماماً، وأن لا يمارس سياسيّو الوفاق أية تأثير على نشاط زملائهم في جمعية سلام، لأن العمل الحقوقي سيكون ضحية للعمل السياسي، أو في أفضل الأحوال ملحقاً له، وبالتالي ستبقى سلام ضعيفة ولا يمكنها الإفادة سياسياً، إلا أن تتحوّل الى مجرد بوق إعلامي في الصراع السياسي. ولكي يتحقق الفصل، ففي أضعف الإيمان، يجب أن يستقيل مؤسسو جمعية سلام الحقوقية من مواقعهم السياسية في الوفاق، سواء كانوا قياديين أو أعضاء، كما أن على سلام أن تتحرّر منذ الآن مالياً وأن تحرص على وضع ضوابط صارمة في أدائها الحقوقي، حتى لا تنزلق في الموضوع السياسي أو تمارسه أو تنحاز الى بعض أطرافه. وعليها أخيراً أن تلتزم بالمعايير الحقوقية المعروفة، حتى تصبح لبنة حقيقية في مشروع تطوير حقوق الإنسان البحريني.