التسييس والبيروقراطية وعدم المرونة
معوقات تواجه المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان
ظللنا في مرصد البحرين لحقوق الإنسان نثمِّن الجهود المبذولة من
قِـبـَـل المسئولين من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البحرين. وفي
ذات الوقت ظللنا نراقب ونرصد التجاوزات والسلبيات ونقدم التوصيات التي
نراها تخدم قضايا حقوق الإنسان في أسلوب مهني عبر تحليل موضوعي يلتزم
بمباديء وقيم حقوق الإنسان. ومن ضمن الأمور التي كنا نتطلع لها ونحث
الحكومة على الإضطلاع بها: مسألة إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.
وجاء المرسوم الملكي بتاريخ 11 نوفمبر 2009 بإنشاء المؤسسة الوطنية
لحقوق الإنسان بمثابـة نقلة نوعية في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان
في البحرين.
إنَّ إنشاء مثل هذه المؤسسة يضع حقوق الإنسان في قمة أجندة عدد
من الأطراف المعنية (الحكومة والمجتمع المدني) ويحقق تـوازنــاً كان
مطلوبـاً في الاهتمام بالموضوع الحقوقي بحيث يشمل الدولة نفسها. وقد
وضعت الحكومة ـ ومن خلال المؤسسة الجديدة ـ نفسها في مقام الراعي الأول
لحقوق الإنسان عبر آلية جديدة ظل كثيرون ينادون بها. ونرى أنَّ إعلان
انشاء المؤسسة يمثل خطوة للأمام، يجب دعمها ومساندتها وتقديم المشورة
لمن سيتولى مهامها حتى تستطيع أنْ تؤدي واجبها على الوجه المطلوب.
إن الزخم الإيجابي الذي قوبل به قرار إنشاء هذه المؤسسة، يشير الى
أن تطلعات كثير من جمعيات حقوق الإنسان قـد تحققت بشكل غير قليل، وتبقى
الصعوبة الأكبر ـ فيما بعد ولادة المؤسسة ـ رهين بأدائها وإثبات مصداقيتها
وحياديتها وقدرتها على الأداء المتميز.
الإيجابيات المتوقعة من إنشاء المؤسسة الوطنية كثيرة ولا يمكن حصرها.
ويمكن الإشارة إلى بعض منها:
- إنشاء المؤسسة يؤدي إلى خلق مناخ من الـثـقـة بين المواطن والدولة
– التي ظلت على الدوام المتهم الأول بإنتهاكات حقوق الإنسان.
- إنَّ حقوق الإنسان مفردة هامة وجـزء لا يتجزّأ من عملية التحول
الديموقراطي، لذا يجب استصحاب مباديء وقيم حقوق الإنسان في كل العملية.
- إن اعلان انشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سيسرّع في إيجاد
التحولات المطلوبة حقوقياً داخل الأجهزة التشريعية والتنفيذية للدولة،
بالإضافة الى الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني كافة، لـتـتـماشى
رسالتها مع رسالة المؤسسة من أجل حماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
- ستكون المؤسسة حلقة الوصل مع منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولـيـة،
وبالتالي سترفع العبء عن كاهل أجهزة الدولة المتعددة التي كانت تتعامل
مع تلك الجهات في غير تناسق وانسجام.
أمَّـا المخاوف التي نرى تجنبها والتي تؤثر على عمل المؤسسة ، والتي
يجب تفاديها منـذ الآن فتشمل:
- يخشى أن تتأثر المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بالضغوطات السياسية
فتقدّم المصلحة السياسية المتعلقة بأداء الجهاز الحكومي، على المصلحة
الحقوقية التي تخدم المواطن وترفع من مكانة الدولة على الصعيد الدولي.
بمعنى آخر: يخشى أن تنجرف المؤسسة الى السجال السياسي وتتأثر به بحيث
يفقدها الجرأة والحسم في تعاطيها مع الشأن الحقوقي، وبحيث تبتعد قليلاً
أو كثيراً عن المعايير الحقوقية التي يفترض ان تلتزم بها.
- ويخشى أن تتحول المؤسسة إلى دائرة بيروقراطية، تحكمها إجراءات
غير عملية تعمل على تقييد حركتها وفعاليتها. خاصة فيما يتعلق ببطء
الإجراءات المتعلقة بالشكاوى الفردية وعدم متابعتها وسرعة الفصل فيها،
الأمر الذي يخلق انطبـاعـاً بعدم جدوى المؤسسة ويقدح في مصداقيتها.
- ويخشى أيضاً من أن تتحوّل المؤسسة الى ساحة صراع مع منظمات المجتمع
المدني، أو بين منظمات المجتمع المدني نفسها، أو بين الأخيرة والحكومة،
بحيث تتحول الطاقات في اتجاه الهدم والتعويق بدل التطوير والتعاون.
- كما يخشى وبشدة من تـرهـل المؤسسة تنظيمياً مما يعيق عملها، وبالتالي
تبرز الحاجة لنظام مؤسسي يتسم بالمرونة والفعالية في نفس الوقت.
- ويخشى أيضاً من عدم تعاون منظمات المجتمع المدني مع المؤسسة،
أو تكون الأخيرة جامدة لا تتمتع بالمرونة بحيث لا تستطيع أن تستوعب
طاقات المجتمع المدني وإبداعاته في هذا المجال. يجب ألاَّ تعمل المؤسسة
بمـعـزل ومنأى عن محيط المجتمع الحقوقي، وهنا تبرز الحاجة للتواصل
والتشاور مع جمعيات وناشطي حقوق الإنسان.
الآمال المعلّقة على المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان كبيرة؛ كما
أن التحديّات التي تواجهها غير قليلة، ما يتطلّب جهوداً مضاعفة وحكمة
في التعاطي معها وتعاوناً من كل الأطراف المعنيّة لإنجاحها وتحقيق
الآمال المعقودة عليها.
|