العدالة الإنتقالية

مفهوم العدالة الانتقالية له معانٍ‮ ‬مختلفة بحسب الأطراف المعنيّة به‮. ‬وفلسفته قائمة على أن الدولة التي‮ ‬تريد أن تسير في‮ ‬منحى ديمقراطي‮ ‬بحاجة إلى‮ (‬قطيعة‮) ‬مع الماضي‮ ‬بكل مآسيه وأخطائه‮. ‬والقطيعة مع الماضي‮ ‬تعني‮ ‬إرساء قواعد‮ (‬عدم تكرار تلك الأخطاء‮)‬،‮ ‬وبحسب البعض،‮ ‬فإن عدم تكرار الأخطاء‮ ‬يفترض مراجعة الأخطاء الماضية ومحاسبة من قام بها‮. ‬في‮ ‬بعض الدول اتخذت خطوة مختلفة عبر لجنة المصالحة والحقيقة،‮ ‬والتي‮ ‬لا تستهدف محاكمة أحد،‮ ‬بقدر ما تستهدف الاعتراف بالخطأ من قبل من قام به‮. ‬وهناك تجارب مختلفة اهتمت بتوثيق ما جرى من انتهاكات وما أشبه‮.‬

ومن وجهة نظري‮ ‬الخاصّة،‮ ‬فإن هناك ضرورة للقطيعة مع الماضي‮ ‬والتفكير في‮ ‬المستقبل‮. ‬ولكن بعض آثار الماضي‮ ‬لاتزال باقية،‮ ‬ولم تجد لها حلاً‮ ‬إجماعياً،‮ ‬رغم أن الحكومة حاولت تقديم بعض الحلول،‮ ‬على الأقل لأولئك الذين عانوا في‮ ‬المرحلة الماضية،‮ ‬ولكن البعض ربما أراد استثمار الموضوع سياسياً، والبحث عن‮ (‬إدانة سياسية‮) ‬أكثر من بحثه عن حل لطيّ‮ ‬صفحة الماضي،‮ ‬خاصة وأن هذا البعض الباحث عن الإدانة،‮ ‬مازال‮ ‬يدين مرحلة الإصلاحات ويرى أنها لم تختلف عن الماضي،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يجعل الموضوع مجرد ورقة للاستخدام السياسي‮.‬

وأيضاً،‮ ‬فإن الأجواء في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬لم تشهد استرخاءً‮ ‬سياسياً‮ ‬حقيقياً،‮ ‬ما‮ ‬يجعل تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية بتفاصيله‮ ‬غير ممكن‮. ‬فالأجواء السياسية المشحونة،‮ ‬والتوتر في‮ ‬الشارع عبر الشغب والعنف،‮ ‬وقيام بعض دعاة تطبيق تلك العدالة بالمساهمة في‮ ‬ذلك،‮ ‬يجعل من القضية صعبة التطبيق،‮ ‬ولا أقول مستحيلة‮.‬

لكن ما‮ ‬يهم في‮ ‬كل هذا،‮ ‬أن الحكومة‮ ‬يفترض أن تكون خلاّقة وصاحبة مبادرات على الدوام،‮ ‬كما‮ ‬يفترض بدعاة تطبيق العدالة الانتقالية أن‮ ‬يستوعبوا الظرف السياسي‮ ‬القائم من جهة،‮ ‬وأن‮ ‬يدركوا بأن العدالة لها وجهان،‮ ‬فليست الحكومة وحدها من أخطأ،‮ ‬بل حتى المعارضة،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الإطار نحن بحاجة إلى تسالم وطني،‮ ‬وإلى تسامٍ‮ ‬على الجراح،‮ ‬وإلى اعتراف بالحقائق ولو كانت في‮ ‬غير صالح هذه الجهة السياسية أو تلك‮. ‬وهذا بحاجة إلى جو ايجابي،‮ ‬فلا أحد‮ ‬يريد أن‮ ‬يعترف بأخطائه،‮ ‬وهناك إصرار على إدانة جهة الحكومة فحسب،‮ ‬وتنزيه الذات‮.

حسن موسى الشفيعي