البحرين تواجه التحدّي الأخطر
حسن موسى الشفيعي
توصف البحرين بأنها دولة في طور التحول الى الديمقراطية (ديمقراطية
ناشئة).. والديمقراطيات الناشئة تواجه تحديات، قد تعيدها الى سيرتها
الأولى، وقد تمضي التجربة بنجاح فتستقر الأمور على نسق ثابت، وقوانين
راسخة، وأعراف غير قابلة للطعن. لا توجد دولة لا تمر في فترة التحول
بمشكلات ومعوقات وتحديات. وما تشهده البحرين منذ أسابيع يمثل أخطر
التحديات التي واجهتها مسيرة التحول الديمقراطي منذ بداية عهد الإصلاحات
قبل نحو ثمان سنوات.
كانت الإصلاحات السياسية قد اعتمدت على قاعدة مصالحة بين الحكم
والشعب، تتدرج خلالها البلاد في العملية الديمقراطية، وممارسة حرية
التعبير، وضبط أجهزة الدولة وتصرفاتها وفق معايير حقوق الإنسان ووفق
أسس قانونية واضحة. لم ترض العملية في بدايتها كل الأطراف السياسية،
فبعضها اعتبرها ضئيلة لا تلبي الحدود الدنيا من تطلعات المواطنين،
وبعضها رأى فيها بادرة كريمة من الملك يجب البناء عليها وتطويرها،
وبعضها تقلقل بين الأمرين قبل أن يستقرّ رأيه فيقرر المشاركة في العملية
السياسية.
قامت انتخابات بلدية وتشريعية، وتوسع هامش الحرية في التعبير بشتى
أشكاله، وتكاثرت منظمات المجتمع المدني، وتطورت بعض القوانين ووضعت
أخرى جديدة، وجرت محاولات لتفعيل قوانين الرقابة والمحاسبة، وكذلك
محاولات كثيرة لتطوير الخدمات والنهوض بالبلاد اقتصادياً ومكافحة البطالة
وغير ذلك.
لكن التجربة أوضحت عدّة أمور:
ـ أن هناك أطرفاً سياسية فاعلة لا تريد للتجربة الديمقراطية أن
تستمر وتنجح، إما لأنها دون المستوى المطلوب، وإما لعدم إيمان بها
وبنتائجها.
ـ أن أداء الحكومة لم يكن في المستوى المطلوب، على الصعد الخدمية
والإقتصادية.
ـ أن التيار المتشدد في المعارضة صعّد في مطالبه الى حد إلغاء العملية
السياسية، واستطاع أن يحرك بعضاً من الشارع في عمليات شغب مستمر، وترت
الوضع، وأقلقت النظام، وعززت مواقع الرافضين للإصلاح.
ـ أن عملية الإصلاح ـ وبسبب الاضطراب في الشارع ـ أخذت تفقد بعض
زخمها، وتميل الى التباطؤ في بعدها السياسي بالذات، ربما كان ذاك بدافع
القلق من أن يؤدي تسارعها الى انفلات غير مأمون العواقب.
ـ أن عوامل اقتصادية وسياسية (مثل فشل مجلس النواب في تحقيق منجزات
كبيرة تلبي طموح المواطنين) تظافرت لتزيد التوتر في الشارع، وتنقله
الى البرلمان، حتى وصلت الأمور الى أقصاها منذ ديسمبر الماضي، بعد
اعلان الكشف عن مؤامرة قلب نظام الحكم وثم ما حدث في يناير الماضي
من خطابات تحريض ودعوات اسقاط نظام الحكم، وما تلاها من اعتقال بعض
الناشطين السياسيين الذين اتهموا بالتشدد والترويج لخطابات تحريض على
العنف، مع ما صحبه ـ ولازال ـ من تواصل في التظاهرات ووقوع أعمال الشغب.
نحن، إذن، أمام انشقاق خطير، يهدد العملية الإصلاحية.
الحكومة قلقة، والأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية
قلقة أيضاً.
الكتاب والصحافيون والسياسيون تساءلوا: هل هي عودة الى المربع الأمني؟
هل يتحول الإنشقاق السياسي الى انشقاق في المجتمع على قاعدة طائفية
بسبب وسائل الشحن الأيديولوجي والطائفي المتبادلة؟ هل في نيّة الحكومة
الإنقلاب على مشروع الإصلاح؟ هل ستعود (الحقبة السوداء) ومحاكم أمن
الدولة من جديد؟
ومن جانب الحكومة، هناك من يتساءل: إذا كانت الحريات والتنازلات
التي قدمتها لا تأتي بالأمن، فما فائدتها؟ والى متى ستبقى الحكومة
مكتوفة الأيدي ولا تستطيع أن تفعّل قوانينها على الأرض، لضبط المتجاوزين
الذين يدعون علناً لإسقاط العائلة المالكة ونظام الحكم؟ وكيف تستطيع
الحكومة الإنطلاق في إصلاحات أخرى جوهرية، والتوتر في الشارع يتصاعد؟
المؤكد أن ما يجري من أعمال شغب، ومن تجاوز للقانون، لا يخدم دعاة
الإصلاح وتطوير العملية السياسية القائمة، خاصة في بعدها التشريعي.
الإصلاحيون سيدفعون ثمناً غالياً إن لم يتم احتواء الأزمة الحالية
التي لا تفيد سوى الأطراف المعادية للإصلاح والإستقرار. فهذا الطرف
يقول بأن الإصلاحات تخلّ بالأمن وتقوّض النظام السياسي، وذاك يقول
بأن النظام السياسي غير جادّ في الإصلاحات ولا بدّ من اقتلاعه.
النتيجة الحتمية لهذا المنطق الأعوج: خسارة كبيرة للدولة والمجتمع،
وإيقاع الجميع في دوّامة صراع لن يفيد أحداً.
دعاة الإصلاح، والمؤمنون بالعملية السياسية، في الطرفين الرسمي
والشعبي، بحاجة الى توافق جديد، وإعادة لصياغة العلاقة بينهما، والى
تأكيد الثوابت الوطنية من جديد، والى ضخ دماء وروح جديدة في شريان
العملية السياسية. أيضاً، هناك حاجة الى ضبط التصرفات على أساس القانون،
وعدم اختراق حقوق المواطنين، من أجل المحافظة على ما تحقق من مكتسبات،
دون أن يعني ذلك التخلي عن الصرامة في تطبيق القانون على المخالفين.
|