الخارجية البريطانية:
هدفنا العدالة وبناء مؤسسات حقوقية فعّالة
بذلت حكومة البحرين جهداً كبيراً في إنشاء عدد من المؤسسات ذات
العلاقة بنظام العدالة وحقوق الإنسان، وأهمها على الإطلاق، المؤسسات
المعنية بالرقابة والتحقيق والتظلمات، والتي تبلورت في: (الأمانة العامة
للتظلمات؛ والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؛ ووحدة التحقيق الخاصة؛
ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين).
وكأيّ مؤسسة وليدة، فهي بحاجة الى وقت لكي تنشأ وتكسب الخبرات لتأدية
دورها وتحقيق أهدافها.
وقد مضت سنوات عدّة على إنشاء هذه المؤسسات، بُذل خلالها الجهد
من أجل تفعيلها من خلال التدريب، واستقدمت خبرات خارجية لتحقق الغرض،
وسُنّت تشريعات لذات الغاية.
والآن، نظنّ أنه حان دور الحصاد.
فالمجتمع ينتظر دوراً حقيقياً فاعلاً لها.
والمؤسسات الدولية والحقوقية، وحتى الدول المساهمة في التدريب،
تنتظر هي الأخرى أن تقوم هذه المؤسسات بدورها الكامل، وهي تؤمل منها
وتعوّل عليها، في إحداث تغيير حقيقي في مسار حقوق الإنسان بشكل مجمل.
نعم.. لوحظ أن المؤسسات هذه، مع اختلاف في حجم الفاعلية، قد بدأت
تتصدّى للقضايا المصنّفة حقوقياً، وهي بين عام وآخر تزيد من نشاطها،
وتصدر تقارير بما تقوم به، وتحدد حجم القضايا التي عالجتها، وغير ذلك.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وثّقت نشاطاتها في تقريريها السنويين
الأخيرين، وقالت في تقرير 2015 انها وثّقت نحو 88 شكوى حقوقية، وأنها
أنجزت نتائج ايجابية من خلال المتابعة وغيرها بشأن 36 شكوى منها.
وأمانة التظلمات أصدرت في يونيو الماضي، تقريراً ورد فيه أن عدد
الشكاوى التي تصدّت لها زادت بنسبة 375%، ما يعني أن هناك تفاعلاً
يتزايد من الجمهور مع نشاط هذه المؤسسة، ما يحتّم عليها البناء على
هذه الثقة وتعزيز تواصلها مع الجمهور، وتحقيق نتائج ايجابية في مسار
العدالة.
وحين وقعت أحداث سجن جو في مارس 2015، تلقت الأمانة العامة من أهالي
السجناء، 196 شكوى، وهذا أمرٌ إيجابي، أن يقوم المواطنون بالشكوى لدى
المؤسسات من جهة، وأن يكون هناك احتضان لهذه الشكاوى والتحقيق فيها،
واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.
أيضاً فإن وحدة التحقيق الخاصة، المهتمة بالبحث في شكاوى متعلقة
بادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، وجهت اتهامات لنحو سبعين من ضباط
الشرطة تتعلق بالتعذيب والإعتداء، كما أنها استأنفت لدى القضاء بشأن
مراجعة أحكام مخففة صدرت بحق رجال الشرطة المتهمين.
وفي المجمل، فإن الآمال الكبيرة بتطوير المؤسسات الحقوقية هذه،
تتطلب:
1/ المزيد من الشفافية في تقاريرها ونشاطاتها، وعلاقاتها مع المواطنين.
2/ أن تبذل هذه المؤسسات المزيد من الجهد لكسب ثقة المواطنين، وخصوصاً
أهالي السجناء والمحتجزين، فهذا هو السبيل لتطوير علاقة تفاعلية تحقق
العدالة وترسي أعمدتها.
3/ أن تواصل عمليات التدريب وكسب الخبرات لأعضائها، من خلال العلاقات
مع المنظمات الدولية ذات الاختصاص.
4/ الحفاظ على المصداقية من خلال التأكيد على الاستقلالية.
ولأن هذه المؤسسات تمثل الركن الأساس المستقبلي الذي يمكن الإعتماد
عليه في تطوير اوضاع حقوق الإنسان في البلاد، فقد اهتمت الحكومة البريطانية
بشكل خاص، بتقديم المساعدة التقنية لها، ورفدها بالخبرات، ومتابعة
مسارها قدر الإمكان. وفلسفتها تقول، انه لا يمكن حماية حقوق الإنسان
بدون مؤسسات مهنية فاعلة وذات صلاحية وخبرة وتجربة.
وما يؤكد هذا الإهتمام، هو أن تقارير الخارجية البريطانية الحقوقية
(والتي تنشر دورياً) لرصد تطورات أوضاع حقوق الإنسان في البلدان ذات
الأولوية ـ بريطانياً، تركّز بشكل كبير على هذه المؤسسات البحرينية
الناشئة.
في التقرير البريطاني الذي صدر في 21 أبريل الماضي، تحدث عن أن
البحرين شهدت تقدماً في مجال حقوق الإنسان، وقال بأن هناك تحديات لاتزال
قائمة. وأشار الى ان الحكومة تواصل تنفيذ أجندتها الحقوقية والإصلاحية،
اضافة الى مواصلة برامجها الاقتصادية والإجتماعية التي تستهدف تماسكاً
اجتماعياً اكبر بين جميع الفئات.
وفيما يتعلق بالمساعدات الفنية للمؤسسات المذكورة، اشار الى أن
الدعم بدأ منذ العام 2012، وأن الهدف هو بناء مؤسسات فعالة، خاضعة
للمساءلة، وكذلك تعزيز سيادة القانون، وإصلاح نظام العدالة، استجابة
لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وتوصيات مجلس حقوق
الإنسان.
ومع ان تقرير الخارجية البريطانية أشار الى القلق المستمر فيما
يتعلق بحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي؛ اضافة الى القلق بشأن
الحرمان من الجنسية، وأحكام الإعدام.. إلا أن البوصلة البريطانية مركّزة
حول المؤسسات الحقوقية والعمل على إنجاحها. والتقرير البريطاني في
هذا، يختلف في مقاربته عن تقرير الخارجية الأمريكية الذي صدر في فترة
متقاربة، إلا أن الأخير كان أكثر شمولية، وتجنّب إلى حد كبير، إبداء
الرأي أو إصدار الأحكام؛ وقام بدور الراوي أو الناقل لمواقف وآراء
المنظمات الحقوقية الدولية تجاه مختلف جوانب حقوق الإنسان في البحرين،
ثم قام بإيراد ما يصدر من ردود أو إيضاحات بشأنها من السلطات البحرينية
المختصة.
وخلاصة القول، فإن التأكيد على دور المؤسسات الحقوقية والرقابية
ليس فقط ضرورة لتحقيق العدالة، وإنما أيضاً لا يمكن بدونها تطوير أيٍّ
من أوضاع حقوق الإنسان. وكما كان هناك استثمار حكومي في إنشاء هذه
المؤسسات، فاللازم أن تمنح القدرة والإمكانات والثقة لكي تكون ركناً
أساسياً في بناء حقوق الإنسان في البحرين.
|